إلى أي مدى سيتغير اليمن في أعقاب انسحاب التحالف؟

> كتب/ دانيال بيمان*

>
تتزايد الضغوط على التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية للانسحاب من اليمن. فقد أعلن البنتاجون، في الـ9 من نوفمبر 2018، أنه سيتوقف عن إمداد الطائرات السعودية  التي تنفذ العمليات في اليمن بالوقود جواً، وإنهاء الدعم الذي بدأ في عهد الرئيس السابق أوباما عام 2015، عندما بدأت عاصفة الحزم أولى حملات القصف. وفي الأسبوع الماضي، عارض مجلس الشيوخ النهج الذي يتبناه البيت الأبيض، بأغلبية تصويتية وصلت إلى 63 صوتاً مقابل 37، وذلك لدفع قرار يهدف إلى إنهاء الدعم العسكري الأميركي للحرب التي تقودها السعودية. وتعهد الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي باستغلال أغلبيتهم المرتقبة لإنهاء دعم الولايات المتحدة الحرب التي تشنها السعودية. وحتى وقتنا هذا، لا يزال الرئيس نفسه غير مقتنع بذلك ولا يزال مخلصاً لأصدقائه السعوديين، بيد أن وزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الدفاع جيمس ماتيس قد دعيا إلى وقف إطلاق النار، ما يشير إلى أن موقف الإدارة من حرب اليمن قد يلين. لقد كانت الحرب كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى بالنسبة لليمن، فقد أسهمت في تحوُّل الحرب الأهلية بالبلاد من سيئة إلى مروعة. كما تُعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن هي الأسوأ في العالم، حيث قُتل مئات الآلاف بالفعل، وأصبح ملايين الأشخاص عُرضة لخطر المرض والجوع. وعلى الرغم من أن الرياض تمكنت من منع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران من تعزيز سلطتهم، فقد صمد الحوثيون وما زالوا يسيطرون على جزء كبير من البلاد.

تأخَّر إنهاء الحرب كثيراً، ولكن حتى لو حدث ذلك، فلا تتوقعوا أن ينتهي ذلك الكابوس الذي يعيشه اليمن. ولكي يحقق التغيير في السياسة السعودية أعظم منفعة ممكنة، لا بد من أن يقترن بانسحاب أوسع من قِبل القوى الخارجية، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار بين الفصائل العديدة المتحاربة في اليمن. بإمكان إنهاء حملة القصف أن يمثل علامة فارقة في حد ذاته. فقد أودت الضربات الجوية بحياة الآلاف من اليمنيين، ومن بينهم العديد من الأطفال. كما دمّر القصف أيضاً معظم البنية التحتية اليمنية المتهاوية بالفعل، ما جعل الرعاية الطبية وتوزيع الغذاء أكثر صعوبة. ومن الأمور الأقل جذباً للأضواء ولكنها أشد فتكاً، الحصار السعودي المفروض على العديد من الموانئ والمطارات اليمنية – والذي فُرِض بزعم وقف الأسلحة الإيرانية من الدخول إلى اليمن– إِذ منع ذلك الحصارُ دخول المساعدات الغذائية والإنسانية إلى البلاد أيضاً، ما أسهم في حلول المجاعة الهائلة التي يعانيها الشعب اليمني.

من الناحية الاستراتيجية، قد يفيد إنهاء الحرب أيضاً حليفاً رئيساً للولايات المتحدة في المنطقة، وهو المملكة العربية السعودية نفسها. فقد بررت الرياض تدخلها بأنه وسيلة لمواجهة إيران، ومكافحة الإرهاب، وإيجاد حكومة مستقرة في اليمن. لكن الإرهابيين يواصلون نشاطهم في اليمن، وأصبح الاستقرار بعيد المنال عن ذي قبل. كما لا يتمتع رئيس اليمن، عبد ربه منصور هادي، الذي يحظى بدعم السعودية، بأي قاعدة نفوذ يرتكز عليها، ويحظى بتأييد شعبي ضئيل. ولعل الأمر الأكثر أهمية، من وجهة نظر الرياض، يتمثل في أن وضع إيران باليمن أصبح أقوى من أي وقت مضى، إِذ أدت الحرب إلى زيادة اعتماد الحوثيين على إيران للحصول على الأسلحة والدعم المالي. وعلاوة على ذلك، أصبحت ساحات الرأي العالمية تنظر إلى السعودية، وليس إيران، على أنها المعتدي في هذا الصراع، كما أن السعودية هي من تضررت سمعتها بسبب الكارثة المستمرة هناك.

ومع ذلك، حتى لو تمكنت السعودية من تدارك الأمور أو أُجبِرت على القيام بذلك، فإن إنهاء التدخل لن يمثل سوى البداية لما يتعين القيام به. فقد تستمر الأطراف المحلية الفاعلة في القتال: فالبلد منقسم إلى حد بعيد، كما أن الفصائل الرئيسة ذاتها منقسمة هي الأخرى. في الوقت الراهن، يعتبر اليمن دولة منهارة ومفككة، وليس هناك قيادة سياسية تحظى بالقبول يمكنها أن تصلح الأمور. يتسم الحوثيون، حلفاء إيران، بأنهم الأقوى بين هذه الفصائل، كما أنهم وحشيون واستبداديون كذلك، فضلاً عن ارتباطهم بطهران. وقد تنشط الجماعات الإرهابية الموجودة في شبه الجزيرة العربية مثل تنظيم القاعدة، محاولين إثبات وجودهم في أي منطقة ينعدم فيها وجود خصم قوي. ولعل الأمر الأكثر أهمية من وجهة نظر الرياض، هو أن طهران يمكن أن تزعم أنها انتصرت على خصمها القديم. وعلى الرغم من أن اعتماد الحوثيين على إيران قد ينخفض أيضاً، فمن المُرجح أن يستمر التحالف بينهما، وستحظى إيران بنفوذ على حد آخر من حدود السعودية. وقد يكون ذلك اعترافاً من وليّ العهد، محمد بن سلمان بفشل تدخله. لتحسين كل من الوضع الاستراتيجي والإنساني، لا بد أن يصبح أي تقليص لحجم الحملة العسكرية حافزاً لاتخاذ إجراءات أوسع لإنهاء الحرب والتخفيف من المعاناة. والأهم من ذلك، ينبغي أيضاً الضغط على إيران لإنهاء تدخلها.

لن تنطفئ النيران المشتعلة في اليمن ما لم تتوقف الأطراف الخارجية عن تأجيجها. وعلى أمل اغتنام الفرصة، يحاول مبعوث الأمم المتحدة، مارتن جريفيثس، حالياً الترتيب لوقف إطلاق النار وفتح ميناء الحديدة الرئيسي في اليمن لدخول المساعدات الدولية إلى البلاد. كما يؤيد جريفيثس أيضاً عقد حوار أوسع، في حين أعربت الأطراف الرئيسة بالصراع عن رغبتها في التفاوض، وهي الرغبة التي قد تتزايد في حال مضت الرياض نحو إنهاء حملة القصف وأشكال التدخل الأخرى.

ينبغي للولايات المتحدة أن تواصل تقديم المساعدة إلى السعودية فيما يتعلق بدفاعها الإقليمي ضد الصواريخ الحوثية. وبالإضافة إلى ذلك، سيتمكن السعوديون من إلقاء المسؤولية على إيران بنوع من المصداقية، عن الهجمات الصاروخية الحوثية على المملكة بعد الانسحاب إذا ظلت واشنطن وراءها، ولذا فإن دعم الولايات المتحدة لعملية الردع أمر حيوي. ونظراً إلى أن الجماعات الإرهابية لا تزال تشكل مصدراً للقلق، يجب على الولايات المتحدة أن تستمر أيضاً في مكافحة العمليات الإرهابية في اليمن. ولا بد من استكمال كل ذلك بجهود إنسانية سريعة ومكثفة لإبعاد اليمنيين عن حافة المجاعة. يعد إنهاء التدخل العسكري بمثابة خطوة أولى جيدة لإنهاء هذه المعاناة، لكنها ليست كافية في حد ذاتها.
*أستاذ بكلية الشؤون الخارجية بجامعة جورج تاون الأمريكية (عربي بوست)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى