(غيروا وجه التاريخ): وليام مورتون مكتشف التخدير

> إعداد/ د. ياسر عمر الهتاري

> يكفي فقط أن تتخيل أن تُجرى عملية جراحية لمريض وهو مفتوح العينين ومدرك لكل ما حوله ويشعر بكل الألم نتيجة عمل الجراحين من فتح للبطن ونشر للعظام، أنه لأمر رهيب أن يحدث ذلك بالفعل، لذلك فقلة هي من الاكتشافات التي لقيت نفس الضجة التي لقيها اكتشاف طريقة التخدير.
وليام توماس مورتون William Thomas Morton مولود في سنة 1819م في ولاية ماساشوسيتس في أمريكا، ربما يكون هذه الاسم غريباً وغير مألوف عند كثير من الناس، لكن علينا أن نتذكر هذا الاسم كلما شعرنا بالألم، إنه الرجل الذي أدخل ولأول مرة التخدير في العمليات الجراحية، وعلى الرغم من بقاء هذا الاسم في الظل عند الكثيرين إلا أن أعماله ساطعة كالشمس.

كانت بداية مورتون في دراسة جراحة الأسنان، حيث تخرج من كلية (بالتيمور)  لطب الأسنان، ومارس بالفعل جراحة الأسنان، وكانت مشاهدته للألم الذي يصاحب المريض عند خلع ضرس أو سن من الفك يتسبب بألم نفسي رهيب له، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من المرضى إلى تجنب طبيب الأسنان، وخاصة من الأطفال أو من ذوي القلوب الضعيفة، فكان المرضى يفضلون الألم عن زيارة طبيب الأسنان، وكان مورتون قد حاول ذات مرة بالاشتراك مع أحد أطباء الأسنان في اكتشاف وسيلة للتخدير، لكن وللأسف لم تنتهي محاولاتهما إلى اكتشاف الوسيلة المناسبة ولم تصل إلى نتيجة.

وكانت حينها تجرى عدة محاولات من قبل آخرين لاكتشاف وسيلة للتخدير، ومن ضمن تلك المحاولات كانت محاولات للدكتور (ويلز) الذي استخدم غازاً مسبباً للضحك (أكسيد النيتروز)، ولكن طريقة ويلز فشلت عند عرضها على مجموع العلماء، وبما أن موروتون كان تخصصه هو تركيب الأسنان الجديدة التي يرافق اجراؤها خلعاً للضروس والأسنان من جذورها بواسطة الكماشات والوسائل العنيفة، فلم يكن استخدام غاز الضحك مناسباً لعملياته.

وفي محاولاتهم للتخلص من الألم أثناء العمليات الجراحية لجأ البعض إلى استخدام (الأفيون) لكنه لم يجد نفعاً لأنه كان يستخدم بكميات قليلة لأن الكثير منه يسبب الموت والقليل منها لا يخدر بدرجة كافية، واستخدم بعض المشروبات الكحولية والخمور كوسيلة للتخدير لكنها كانت أيضاً غير مناسبة بسبب أنها تذهب بعقل المريض فيصبح نصف مخدر ومن الصعب السيطرة عليه، كما أن تأثير تخديرها لم يكن كافياً عند الألم الشديد الذي كان سرعان ما يفيق بسببه المريض من حالة السكر، وفي محاولاتهم للتخلص من الألم استخدم بعض الأطباء حيل التنويم المغناطيسي، لكنها بالطبع لم تكن مناسبة، وكان السبيل الوحيد عند اجراء العمليات الجراحية هو تقييد المريض بإحكام إلى طاولة العمليات والشروع بإجراء العملية التي كانت حينها أقرب لجلسة تعذيب منها لعملية جراحية، وكثيراً ما كان يتعرض المرضى للموت اثناء هذه العمليات بسبب وعيهم التام وتوترهم الشديد وعصبيتهم وشعورهم بالألم وهو ما كان يتسبب لهم بنزيف يؤدي للموت.

وأثناء بحثه عن إيجاد الوسيلة المناسبة للتخدير، أكتشف موروتون أن هناك محاولات كانت قبله بثلاثة قرون للتخدير باستخدام غاز (الأثير) لكن أحداً قبل مورتون لم يعمل على محاولة الأمر وإثباته علمياً، وعند دراسته لهذا الغاز وجد أن له خصائص مخفضة للألم ومسبب لفقدان مؤقت للإحساس، وكان كلب موروتون المسكين هو أول كائن يعمل على تجريب غاز الأثير فيه ليرى مدى تأثير المخدر، فأكتشف مورتون بعد عدة محاولات وتجارب على كلبه أن الكلب يفيق من خدره بعد مدة تتحدد بكمية غاز الأثير الذي استنشقه.

مات فقيرا معدما وكان بإمكانه العيش ثريا مترفا
و لتجربة هذا الغاز على البشر كانت الفرصة الذهبية سانحة أمام مورتون عندما جاءه ذات يوم مريض يتوسله بأنه مستعد لأي شيء مقابل التخلص من الألم الفظيع الذي يشعر به من أسنانه، فأخبره مورتون بأنه سيستخدم عليه غاز الأثير لتخديره، وكان مورتون على قدر من اللؤم بحيث أدرك بأن الرجل لن يعترض على أي إجراء يتخذه لتخليصه من ألمه، وبعد أن أفاق المريض من خدره بسبب غاز الأثير أخبر موروتون فرحاً ومتعجباً بأنه لم يشعر بشيء على الاطلاق أثناء الجراحة، فكان هذا الرجل المريض بمثابة فاتحة لكشف علمي طبي عظيم كان لغزاً ومطلباً لكل الجراحين على مر العصور، وكان هذا اليوم هو تغيير لمجرى التاريخ الطبي، أنه يوم 31 سبتمبر 1846م.

وسرعان مأ اجرى مورتون العديد من العمليات الجراحية أمام العديد من الأطباء والجراحين، وذاع صيته وعظمت شهرته وتناولت الصحف خبر هذا الاكتشاف الطبي العظيم، وسرعان أيضاً ما أستخدم الجراحون هذا الاكتشاف عند اجرائهم لعملياتهم الجراحية لمرضاهم، ولشدة ما انتشرت هذه الطريقة ظهر أكثر من طبيب أو جراح يدعي أنه صاحب الفضل الأول لهذا الاكتشاف الخطير لغاز الأثير، و لم يتحصل مورتون على أية مكافأة نظير جهده واكتشافه العلمي فعاش وقد أصابه الغم واليأس ومات فقيراً معدماً في سنة 1868م في مدينة نيويورك وهو لم يكمل 49 من عمره، والاعتراف الوحيد الذي تحصل عليه كان عند وفاته، حيث كُتب على شاهد قبره (هنا يرقد وليام مورتون مخترع ومكتشف التخدير ... بعده أصبح العلم قادراً على التحكم بالألم والقضاء عليه).

هذا هو وليم مورتون مكتشف التخدير، الرجل الذي كان بإمكانه أن يحتفظ باكتشافه وأن يبيع نتائج أبحاثه قبل اعلانها وكان بذلك ليعيش رجلاً غنياً ثرياً مترفاُ بسبب عظم اكتشافه، لكنه آثر أن يخفف من ألم الناس منذ استخدمه لأول مرة في 31 سبتمبر 1846 إلى يومنا هذا، وسيصبح اكتشافه مخففاُ لألم الناس على مدى التاريخ والسنين، فكان وليام مورتون بأعماله واحداً ممن غيروا وجه التاريخ.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى