عشاء الليلة الأخيرة من ديسمبر
> عياش علي محمد
>
وفي اليوم الأخير من شهر ديسمبر، خرج الأمير محمد عبدالله يشتري بعض الأغراض التي تحتاجها ليلة العيد، فقام بشراء درزن من البيض البلدي، وخمسة كيلو لحم ضأن، وعشرين حبة خمير لحجي، وجهّز غرفة استقبال ضيوفه، وعطرها بالأطياب والرياحين.
وتجاذبوا أطراف الحديث، مبتهجاً بهم وسارداً لهم حقائق هجرته من لحج إلى أوربا، فسأله واحد من أصدقائه: كيف استطعت أن تفلت من النظام الحديدي القائم آنذاك؟
وأما كيف استطاع الدخول إلى إحدى الدول الأوربية؟ قال لهم باستعراض مفرط، لقد قمت بتصوير عدد من الماليشيات المدججة بالسلاح فرداً وجماعات، ثم قمت بتصوير إحدى القصور اللحجية المهدّمة، ونقلتها معي إلى أوربا.
وأما سؤال الحاكم الأوربي الذي وجه لي بالقول: لماذا بالذات يتم استهدافك دون غيرك؟ فأجبته أني سليل العائلة الحاكمة في لحج، وكانت هي الأخرى مستهدفة بعيد خروج الوجود البريطاني.
قام المضيف الأمير محمد عبدالله لإحضار العشاء الأولي المكون من الخمير اللحجي والبيض المطبوخ وبعد دقائق معدودة جاء لهم بالمقلى فاضياً ولا يحمل أي بيضة فيه، فقالوا له أين البيض؟ رد عليهم باعتذار بأنه أخطأ صحن المقلى لعدم قدرته على التوازن فكلما رمى بالبيضة إلى المقلى سقطت على الأرض، فموجة الاهتزازات أثرت على قدرته على وضع البيضات في المقلى.
وبعد منتصف ليلة رأس السنة الميلادية، طلب الحاضرون لحم الضأن، ليعوضوا عما أفسدته تلك الليلة بالبيض، فأراد الأمير أن يحضر لهم لحم الضأن، فنهره أحد أصدقائه بالقول: لا تقم وتجلب لنا طاجن لحم الضأن، فربما تتعثر ويصبح اللحم كالبيض ينبض أنفاسه الأخيرة في سجاد المطبخ.
هيا بنا نغادر بيت الأمير بشرفنا وعزنا وكرامتنا، كل الناس في العالم تعشوا ديوك رومية ونحن حتى البيض ولحم الضأن لم نتذوقه وا أسفاه، مضت ليلة من أحلى ليالي في العالم ونحن ظامئين وجائعين ومكدودين.
وختم قوله بأبيات قومندانية:
ساعة هنية بايقع فيها الهناء والسعادة يوم اللقاء عيد يا ربي عسى بالعيادة.
هاجر الأمير محمد عبدالله (وهذا ليس اسمه الحقيقي) إلى إحدى دول أوربا، وأقام فيها قرابة عشرين عاماً، وعاد إلى مسقط رأسه لحج، قبل أن يختم شهر ديسمبر أيامه الختامية، وأخذ يتفقد أصدقاءه القدامى، ويطمئن على حالتهم الاجتماعية، مضيفاً لهم إكرامية بدعوتهم لقضاء سهرة ليلة رأس السنة في منزله، مع واجب تقديم العشاء لهم والمرطبات والعصائر التي جلبها لهم من أوربا.
جاء أصدقاء الأمير ليلة العيد، وكان في استقبالهم بالحلة الجديدة ذات الماركة الأوربية، وقادهم إلى غرفة الجلوس يستمتعون بعصائر رأس السنة الميلادية.
فأجابه بكل بساطة لقد رشوت واحداً من ضباط النظام الحديدي.
وماذا عملت بهذه الصور؟ قال لهم لقد أقنعت بها حاكم الدول الأوربية بأن كل هؤلاء المليشيا كانوا يطاردوني من أجل أن يقتلوني، والقصر حق عائلتي تم تدميره بوابل من القذائف الهونية، لهذا اضطريت للهجرة حفاظاً على سلامة حياتي.
بلغت الساعة الحادية عشر والنصف، فطلب أحد ضيوفه أن يأتيهم بالعشاء، فالخمير اللحجي قد برد، والبيض قد تم طبخه، وخواء البطن يعطي مؤشرات بضرورة أن يدخلها شيء يسد رمقها.
آه.. آه يا هذا المضيف، فإذا كنت رياضياً في لعبة كرة السلة، لقمت بوضع الكرة في شبكة السلة، لقد رميت بالبيض بالأرض وكأنك كنت مطارداً من الماليشيا.. خيرها في غيرها، سوف نتعشى على لحم الضأن بدلا من البيض.
وبدلاً منه قام أحد الضيوف لجلب طاجن لحم الضأن، وعاد سريعاً إلى رفاقه الضيوف مولولاً وضاحكاً وباكياً وصائحاً.. اللحم برد والماء بارد والطاجن بارد، والشولة لم يشعلها صاحبنا.. الشولة طافية، واللحم طافي وليلة رأس السنة طافية.
وختم قوله بأبيات قومندانية:
ساعة هنية بايقع فيها الهناء والسعادة يوم اللقاء عيد يا ربي عسى بالعيادة.