التمر وحرب اليمن!

> عياش علي محمد

>
​في الزمن الماضي نشبت معركة حامية الوطيس بين فرقة مشحونة بالسيكلوجيا التقليدية (للعرب العاربة) مفادها الحصول على النصيب الأكبر من دفعة مساعدات من التمر، أرادت كل مجموعة الحصول على حصتها الأكبر من التمور، فدخلوا في معارك ضارية، يستطلعون فيها مدى قوة كل منهم، حتى يهيمنوا على القدر الكبير من التمر، فجاءت النتيجة مخيبة للآمال، إذ أظهرت كل الفرق المتعاركة قوة بأس شديدة، لم تسمح بتفوق أحدهما على الآخر.

ثم بعد تلك المعارف قعدوا يتقاسمون التمر بالعدل والتساوي، فأظهرت تلك المعارك للعالم الفكرة التقليدية (للعرب العاربة) بأنهم لا يقتسمون (المساعدات) إلا بعد معارك طاحنة وطويلة، تسيل فيها الدماء، وبعد أن يتأكدوا أن قوتهم متعادلة، وليس هناك من يستطيع فرض نصيبه على الآخر عن طريق القوة، لتأخذ النسبة مجراها في القسمة.
هذه السيلكوجيا التقليدية لا زالت تحمل تراثها حتى الوقت الحاضر، ففي حرب اليمن اليوم، والتي مضى عليها أربعة أعوام لازالت هذه السيكلوجيا تفعل فعلها وحاضرة أمام العالم.

فجماعة الحوثي أرادت أن تأكل التمر لوحدها، ودون غيرها، فوجدت من يصدها ويرجعها إلى صوابها، والشرعيه أرادت أن تعفي الكل عن التمر لتستأثر بالتمر لوحدها، فلم يحالفها الصواب، والجماعة الجنوبية تقبع في حالة انتظار هزيمة الجميع لتأخذ حقها من التمر، دون أن ينافسها أحد في نصيبها من التمر.. ولما تعادلت القوة بين الجميع حاول كل فريق أن يستند إلى حليف يؤازره في هذه الحرب لتعطيه قيمة مضافة في هذه المعركة، فالحوثيون استندوا إلى إيران والشرعية استندت إلى قوة التحالف العربي، ومع ذلك لازالت القوة متعادلة ولا يزال التمر في موضعه دون أن يتأثر به أي من الفرق المتحاربة.

وسياسة الحكمة تكمن عند الجميع في مسألة الصبر والانتظار، فالذي توقعه هذه الحرب في (الإفلاس) سيكون أول الضحايا ويخسر التمر، أما الآخر يكون في حالة انتظار من أن يصاب أحدهم بالتعب والإنهاك والإرهاق من هذه الحرب أو تأنيب الضمير.. عندها سوق يرفع يديه وهو في حالة استسلام، ويطلب الصلح ويطالب بحقه فقط في الوجود ونصيبه من التمر.
والشرعية مشروعها استنزافي، وقاعدة في لائحة الانتظار ولعل وعسى أن يأتيها التمر من باب التحالف، ومصوبة نظرها إلى الخزانة المالية التي توزعها على القاعدين في منتجعات العالم وهي ليست في عجلة من أمرها، طالما أن المصاريف تهب عليها من كل الزوايا.

أما حكمة الانتقالي الجنوبي فتكمن في مقولته: دع الذئاب تأكل بعضها البعض، حتى يدمي كل منهما الآخر، ويخرّا صريعين، ثم سيأتي دوره في الحصول على تمره، حسب تخطيطه.
ومؤسسة الحكم الدولية يسير مشروعها بحيث لا يدركها المتقاتلون في الميادين، ويجري تنفيذ هذا المشروع كلما طالت الحرب في اليمن وهي تستمر في تطويل مدة الحرب حتى يتحقق نهجها في إعادة توزيع السكان في اليمن، فالحرب هذه هي بمثابة إعادة توزيع السكان في اليمن، فالشمال بأعداد سكانه الكبير ورقعته الجغرافية الصغيرة سيمضي بقذف سكانه إلى الرقعة الجغرافية الجنوبية وحجم سكانها القليل كي يحظوا على أي كسرة من ثروات الجنوب، والمشاركة في السلطة والاستفتاءات الانتخابية.. وهذه الحرب ستمكن من إعادة توزيع السكان من موقع الكثافة إلى موقع الندرة.

فمن غير الممكن أن يتم إعادة توزيع السكان بطريقة سلمية، لهذا فالحرب مستمرة ويتخللها إعادة توزيع السكان.
وتقول بعض المصادر أن حجم السكان الواقع في الشمال كان سبباً رئيسيا في تنامي الحروب واستمرارها بين الحين والآخر بين الدولتين في اليمن، على الرغم من التزام الشمال في حرب عام 1994م للأمم المتحدة والذي وقعها رئيس وزراء الشمال د.محمد سعيد العطار بعدم إحداث أي تدخلات عمرانية في الجنوب، وعدم تشجيع الاستيطان في عدن.

ومع ذلك حصل ما حصل بعد حرب 1994م، ولكن التمر لا يزال في موضعه دون أن يمسه أحد، حتى يتصفى الميدان ثم يأخذ كل فريق نصيبه من التمر، بدون زيادة أو نقصان، وبدون أطماع في أن يحصل كل فريق على أكثر مما يستحقه من جعاب التمر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى