قصة قصيرة: تشابه..!!

> نورة سعيد الأحمري

>
​اعتدلت في جلستي أقلب تلك المظاريف الملونة التي حملها لي حصاد الأسبوع البريدي.. صففتها أمامي على طاولة المكتب كأوراق لعبة أحفز بها ذاتي حين أقع في حيرة!! .. بماذا أبدأ؟ .. وكانت البداية.. مع ظرف شدني إليه بألوان طوابعه التي تحمل شعار الفن التشكيلي.. تناولته بعناية فالمثل يقول (الكتاب يقرأ من عنوانه) وبدت لي عناية الباعث، ومن عادتي أن القي نظرة إلى أسفل الرسالة للاستبيان، ولكن هذه المرة كانت مغايرة عما سبق فالاسم ليس بغريب على ذاكرتي.. يا إلهي أيعقل أن تكون هي؟.. أعود لقراءة عنوان المرسل وإذا به نفس المكان..!!

أعود لمحتوى الرسالة فأجد الكلمات ترفرف منها شفافية متناهية، ومن بين ثنايا الحروف طلب مصاغ بأدب جم أن أرسل مجموعتي، فأبقى لدقائق بين مصدقة ومكذبة هل يعقل أن تكون هي؟؟.. وتعود بي الذاكرة لتفتح على صفحات بداياتي المتعثرة على مقعد الابتدائي، خاصة ذلك اليوم الذي حملت فيه مرارة الرفض والتقريع من الجميع وكأني اقترفت جريمة يقام لها الحد.. جريمتي قصاصة كتبت عليها خاطرة شعرت بها للحظة ما، في غفلة عما قد تخلفه هذه القصاصة من ألم في نفسي لفترة طويلة.. أجواء غريبة.. مداهمات على محتويات حقائب الطالبات وبالذات من كن في الصف السادس- يقرع الباب ثم تطل المعلمة منى برأسها بعد أذنك أبله هند.. تفضلي.. تدخل وتغلق الباب وكأنها تعلن عن حين يوم الحساب.. خمس دقائق فقط!!.

ماذا هناك؟؟.. تساؤل تلقيه المعلمة هند عندما رأت الحيرة على تقاسيم الطالبات والذعر أيضا.. تفتيش..!! ثم تبعثر الحقائب والدفاتر بحثا عن ماذا..؟؟ .. لا أعلم!! .. ويطالني الدور في هذه الحملة.. تقلب الصفحات وتبعثر المحتوى.. تتطاير من عينيها فرحة بوجود قصاصة صغيرة كتبت عليها بعض الكلمات.. تتمتم وعيناها تسابق الحروف لتصل لنهاية الجمل.. ثم تنظر إلي وقد احمرت عيناها.. لمن هذه؟؟ ..

إنها لي.. قلتها وأنا أرتجف من هلع الصراخ والحدة..
قفي هناك.. فأقف بجانب ندى التي وجدت معها مشطا صغيرا.. فبعثرة.. فبعثرة.. ثم يهدأ الإعصار وتعود الطالبات للدرس، أما أنا وندى فقد كان نصيبنا النزول إلى الإدارة، ونقف خمس طالبات أمام المديرة.. فأشعر باختناق ودوار فقد أفزعني الدخول إلى هذه الغرفة التي لم يسبق لي دخولها.. وعلى طاولة المديرة أدوات الجرائم ما بين أوراق وأمشاط وعطور..

والمعلمة منى واقفة تضرب الأرض بقدميها فيزداد التوتر وتجف الحلوق من الهلع والوجل الذي أرخى حتى العظام، فتلونت الأوجه بألوان الخريف الذابلة وغدونا كورقة صفراء في مهب الصراخ.. المساعدة تحضر البيانات تبدأ بالاستجواب.. ما اسمك؟ .. ندى عبدالله.. رقم هاتف المنزل والعمل؟؟ لا أحفظهما.. بسيطة.
وأنتِ: عبير أحمد.. وقد كانت فرائصي ترتعد ودبت برودة غريبة في أطرافي وقشعريرة وخيل إلي للحظة أن ما أرتدي قد أصابه بلل ما.. وتتوالى الأسماء.. وتستخرج المساعدة الأرقام لكل واحدة منا.. ونحن كأوراق دهستها الأقدام دون رحمة.. وشارفت على الانتحار بسقوطها، في هذه الأثناء كانت المساعدة قد قامت باستدعاء الأمهات إلى الحرم المدرسي، وخيل لي أن الإدارة قاعة
للمحاكمة، ويأتي دور الاستجواب من المديرة.. هل هذه الورقة لك؟
 ااااجل..
ولمن كتبتها يا عبير؟
لم أكتبها لأحد.!!

هل تدركين المقصود من كتابتك؟
أجل.. ولكنها خاطرة تعبيرية كمادة التعبير، والخوف يستوطن في كلماتي تلك اللحظات فلم أعد استوضح المكان من شدة إغماضي وانحشار رأسي بين كتفي.. تناولني الورقة ثم تقول اقرأي ما كتبت أمام والدتك..

أتناول الورقة وقد يبست حروفها وجفت أوصالها وتقاطر منها الأمل على أرض تلك الطاولة التي امتصت بقايا الوجود فيها.. أقرأ ودمعتي تصرخ بين عروقي.. (في عين القمر أرسم لك صورة.. وأرسم دربا مع الطيف يغني.. من عين القمر أسرق نورك.. وأتوارى بين أسرارك.. أنت نور أيامي وصدى أحلامي).. ثم تقف كلماتي وأنا أنظر إليها بحيرة وألم كوني أعلم بأنهن سيحكمن عليها بالإعدام رميا بالوعيد، فلم أخرج إلا بعد أن وقعت أمي تعهدا على مشاعري بألا أعود لتلك الأفعال..

وتمضي بي الأعوام وأنا في رحلة مع الورقة والقلم فلم تثنني صرخات المعلمة منى أو حتى تلويح المديرة مريم بالفصل..
يا إلهي.. أيعقل هذا وبعد تلك السنين أن من يطلب إهداء لمجموعتي هي من صادرت حقي في مرحلة مبكرة.. أيعقل أن تكون هي مديرتي مريم الحسن.. ولكن قد يكون تشابها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى