هل يعيد «اتفاق السويد» الصراع بين اليمن والسعودية بقرار بريطاني؟

> منى صفوان

> احتكرت السعودية الأجواء في حربها على اليمن، غير أن المعادلة كانت قد تغيرت منذ أشهر، بدخول الحوثيين إلى ساحة المعركة الجوية، وإحداث نقلة مختلفة لهذا الصراع، فهناك جزر تتحرك من مواقعها، جراء الخضات الكبرى التي تشهدها المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
4 سنوات كانت كافية لتقدم جماعة الحوثيين مستوى نوعي من العمليات العسكرية، وتضيف مفاجآت ساخنة لخصومها، وتتمكن من الاحتفاظ بعنصر المفاجأة.

لقد قللت كل الأطراف من قدرة الحوثيين العسكرية «الدفاعية والهجومية» على حد سواء، وكذلك من خبرتهم وحضورهم السياسي، مقارنة بالأحزاب اليمنية، التي أفنت تاريخها في مضمار السياسة.
هنا يتكئ السياسي الحوثي «حسين العزي» على مقولته الساخرة «إن كانت خبرتهم السياسية أوصلتهم إلى فنادق الرياض، فيالها من خبرة سياسية فذة».

كلا الطرفين ينجحان في المراوغة، ولا يحققان تقدما في قدرتهما على إقناع الآخر، وفي النسخة الأخيرة من المشاورات في السويد، التي حضرها الأمين العام للأمم المتحدة، كان خالد اليماني وزير الخارجية- رئيس وفد حكومة هادي، قد أعلن أنهم لن يقبلوا إلا بانسحاب كامل للحوثيين من ميناء الحديدة، ظهر اليماني غاضبا عشية الذهاب إلى السويد، وبعد أيام كان يصافح رئيس وفد
الحوثيين بحرارة فماذا حدث؟
 الاتفاق الذي أبرم لم يكن كما أراد اليماني، وفي تلك الغرف الدافئة تبين للحوثيين «وفد صنعاء» أن ضغوطا دولية تمارس على حكومة هادي، وبالأصح على السعودية، التي بدروها ضغطت على وفد حكومة هادي
وفد صنعاء أخرج خبرته التراكمية، واستغل الفرصة، ويبدو أن هذا هو سبب استرخاء الحوثيين فيما يخص تفسير الاتفاق، وعدم التدقيق في التفاصيل، على خلاف عادتهم، فالأمر لا يحتاج إلى ذكاء لمعرفة أن الرأي الدولي كان ذاهب لعدم تسليم الميناء لحكومة هادي، فكان الحوثيون على ثقة من أن حكومة هادي وخلفها السعودية- الإمارات لن تتسلم ميناء الحديدة، لهذا تم التوافق السريع على اتفاق سيحتاج بعد ذلك الكثير من التفسير والتوضيح والوقت لينفذ.

كانت محاولات الاتفاق اليمني تسير في مسار مواز لتموجات أزمة صامتة بين عمان والسعودية ومعها الإمارات، بدأت ملامحها تظهر قبل أشهر في الحدود اليمنية- السعودية. حيث تغلي الأمور هناك وتكاد تخرج عن السيطرة، ولا يشملها أي مشروع تفاوض.
وقبل أن يظهر رئيس وفد الحوثيين غاضبا بعد 3 أسابيع من اتفاق السويد ليعلن أن المراقب الأممي لا يقوم بدوره، كان الأمين العام قد اتهم الحوثيين بالمماطلة، وعدم فتح المجال لدخول المزيد من المراقبين إلى الحديدة – البحر الأحمر.

 محمد عبد السلام الناطق الرسمي للحوثيين، قال باقتضاب إن جماعته لن تقبل بتفسيرات المراقب الأممي لنص الاتفاق، وذهب إلى تهديد مبطن للأمم المتحدة بأن فريقه لن يناقش المزيد مما تود الأمم المتحدة طرحه، إن لم يتدخل المبعوث الدولي لإيقاف عبث المراقب الدولي في الحديدة، كل هذا قيل في تغريدة قصيرة، لجماعة رأت أن العالم جاد بإنهاء حرب الحديدة.
 إن لدينا جماعة تضع قدمها على الأرض، بمعنى الواقعية، وأيضا تضع يدها على الأرض بمعنى القوة، وفعلا تعلمت كيف تمارس الضغوط.

 في المقابل تنتظر حكومة هادي أن تمارس مهامها في الميناء الأهم، برغم أنها لم تقم بهذه المهمة في الموانئ التي لا تقع تحت سيطرة الحوثيين، نجزم أنها متشوقة لممارسة سلطة مفقودة، إننا نتحدث على 90 % من منافذ وموانئ اليمن تقع تحت سيطرة الإمارات والسعودية، ولم يتحرر عن سيطرتها إلا ميناء الحديدة.
إن ما يحدث في الحديدة مريب، فمجلس الأمن يستعد لإصدار قرار لفرض المزيد من المراقبين الدوليين، بكامل أجهزتهم، هذا الحضور الدولي الجديد على اليمن، سيكون بابا جديدا للنزاع، حيث سنسمع قريبا اتهامات للجانب الأممي بالتحيز، أو بأنه قوات محتلة.

الميناء الأخير
هل فعلا تخلت السعودية عن أطماعها القديمة في جنوب البحر الأحمر، لترحب بسيطرة قوة دولية تخرج الميناء من الصراع.
إن السعودية تدرك أن بوابة البحر الأحمر التي تسيطر عليها اليمن ودول القرن الأفريقي، تتحكم بحركة الملاحة الدولية، وموقع اليمن أهم من موقع السعودية، التي تفتقد إطلالة الموقع الاستراتيجي، وتبقى السعودية من الدول المتأثرة وليست المؤثرة، وهو ما لا يناسب وطموحها الساعي للسيطرة.

طموح قديم منذ نشوء الدولة السعودية، في منتصف القرن الماضي، حيث سعى الملك السعودي للسيطرة على ساحل تهامة، وكانت أول الحروب للاستيلاء على ميناء الحديدة في ثلاثينات القرن الماضي 1934
وقتها تصدت القوات اليمنية، وكانت الحرب مستعرة بين وريثي الحكم التركي في المنطقة المملكة المتوكلية اليمنية، والمملكة السعودية، استقوت السعودية بمساعدة بريطانيا، على المملكة الوليدة في اليمن بقيادة الإمام يحي، ولكنها لم تستطع أن تتغلب عليها، فبقي اليمن مسيطرا على ساحل تهامة وميناء الحديدة برغم تدخل القوات البريطانية لصالح السعودية، وانسحبت السعودية من الحديدة، بتوقيع اتفاقية الطائف.

اتفاق السويد 2018 يعيد الصراع الى مساحته الحقيقة، بين الدولتين الجارتين بقرار بريطاني، فلم نبتعد كفاية منذ ذلك التاريخ، لتبرد الأطماع السعودية، التي تعود لتشتعل كلما شعرت أن اليمن في حالة ضعف، الحرب الحقيقة هي حرب سعودية – يمنية، أما الصراع الداخلي منذ 6 عقود فهو تفاصيل الصراع التاريخي بين الجارين.

توريط عُمان
ما يحدث لليمن، حريق يمتد ليحرق المنطقة برمتها، ولحد الآن لم تشعر السعودية بحرارة النيران تحتها.
 لكن لأن الجزر المنفصلة تتحرك، وتحالفات أخرى بدأت تتشكل، وقوى جديدة تصعد، فنحن مقبلين على تغير المعادلة على الأرض، وليس فقط في الأجواء، كما حدث بإدخال الحوثيين لسلاح جو جديد.

هذه الحرب بدأت باتهامات بدعم إيران للحوثيين، وتتوجها باتهامات لسلطنة عمان بتهريب الأسلحة لهم مع كل مفاجأة عسكرية للحوثيين، حيث تقدم السعودية ذات العرض والخفة السياسية في التعامل مع جار ثقيل الوزن إقليميا، ومنافس حقيقي في مواقع صنع القرار الدولي.
لم يصل الأمر للاتهام الرسمي، لكن الصراع الخفي لم يعد كذلك، لكن غير المخفي أن السعودية توسع من دائرة خصومها في المنطقة، فبرغم الحياد الإيجابي العماني إلا أن السعودية ترفض أن تبقي عمان على خط الحياد، وسوف تقوم باستفزازها، عن طريق العبث بأمنها وعمقها في اليمن، لترغم عمان على مواجهة محتملة.

تنفق السعودية أموالا طائلة لشراء الولاءات، وجعلت حدودها مع اليمن ملتهبة لأول مرة في تاريخها، ولكنها لم تستطع أن تخمد نار التمرد ضدها أو الحد من سيطرة المناوئين لها ولتواجدها في اليمن.
إننا أمام حرب شاملة، لابد أن تجمع كل من تهددهم السعودية في حلف واحد، فهل تقف عمان مكتوفة الأيدي، وهي ترى السعودية تحرق المنطقة، في حين تجهز السلطنة مع الصين لواحد من أهم الخطط والطرق الاقتصادية في العالم «طريق الحرير» الذي عليه أن يمر باليمن أيضا.

مصالح العالم اليوم تتقاطع في واحدة من المناطق التي تعبث بها السعودية والإمارات، ولم يعد المجتمع الدولي يقبل المزيد من العبث، بعد تفاقم الحالة الإنسانية أولا، وبعد بدء تهديد الاقتصاديات الكبرى ثانيا.
وهذا ما يفسر ظهور حركة الحوثيين «أنصار الله» مساوية لحكومة هادي المعترف بها دوليا، ففي السويد تم الاعتراف رسميا بأنصار الله كقوة حقيقة، وكسلطة موازية في اليمن، وقريبا تبرز كأهم قوة في المنطقة، يمكنها التحالف رأسا مع أهم وأقوى دول المنطقة في خريطة جزر التحالفات السياسية.

التصنيع العسكري
الأرض لمن يحميها، قانون عسكري بسيط، لن يمكن السعودية من السيطرة على ما تبقى من منطقة باب المندب، السعودية تدرك أنها أمام خصم عنيد يكبر كل يوم، وهي تشكو من قدرة الحوثيين على تسليح أنفسهم رغم الحصار، وهي التي تحتل المرتبة الثالثة بعد الصين وأمريكا وقبل روسيا في التسلح، ولم تعد تثق بأحد على الأرض سوى الإمارات.
في هذا السياق فكل الخيارات مطروحة، والسعودية هي التي تحدد أي خيار تريد، الطرف الآخر جاهز، جاهزون للمفاوضات، جاهزون للحرب، وجاهزون للمفاجآت، مفاجآت في البر، والجو، وقريبا مفاجآت في البحر.

جماعة أنصار الله الحوثية أعلنت عن طائرتها المسيرة قبل عامين، لكن الهجوم على قاعدة العند الجوية بدى مفاجئا للتحالف ففي فبرير 2017 أعلن الحوثيون رسميا عن تصنيع هذا النوع من الطائرات، بحضور رئيس المجلس السياسي الراحل صالح الصماد.
لكن كما جرت العادة، كانت ردة الفعل حول هذا الخبر تتسم بالاستهزاء والسخرية، وعدم أخذ الأمر على محمل الجد، معرض الطائرات الذي أعلنت عنه وحدة التصنيع في وزارة الدفاع، عرض النماذج الأولية من هذه الطائرات، التي تقوم بأعمال قتالية واستطلاعية وأعمال مسح وتقييم وإنذار مبكر، واليوم يعلن الحوثيون أنهم قادرين على تصنيع طائرة مسيرة يوميا.

جرف سلمان
ففي مرحلة ما من الحرب يخرج الحوثيون مجددا من «جرف سلمان» الجبل الذي قتل فيه قائد الجماعة حسين الحوثي في صعدة، غاضبين بوجه السعودية، إن الطريقة التي قتل فيها الحوثي كانت منعطفا جديدا في تاريخ الحركة الحوثية، وحولتها من حركة فكرية تدافع عن نفسها، إلى حركة مسلحة تثار لنفسها، ومن ثم أصبحت حركة تجمع تحالفا قبليا- سياسيا يواجه السعودية منذ 2015.

إن ملازم ودروس حسين الحوثي كونت الإطار النظري- الفكري للجماعة، التي تبلورت حولها كفكرة أولا، ثم أصبحت مشروعا سياسيا، يحظى بهذا الحضور، وهو حضور يتنامى منذ سبتمبر 2004 تاريخ مقتل القائد مرورا بسبتمبر 2014 تاريخ سيطرتها على العاصمة، ومنها بدأت مرحلة جديدة. مرحلة تبدو فيها الحركة أكثر قوة، وأكثر رعبا بالنسبة للخصم الرئيس «السعودية».

وهنا يجوز السؤال ما الذي كان سيحدث إن لم يتم قتل حسين الحوثي في سبتمبر 2004 هل كان سيسيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمبر 2014؟
يفخر الحوثيون بإرثهم الفكري (ملازم حسين) باعتبارها مرجعا فكريا يتحدث عن التعايش والتسامح وعدم نبذ الآخر، أراد حسين الحوثي نشر فكر الحركة عن طريق المخيمات الصيفة والمعاهد العلمية وطباعة الملازم وتحويلها إلى حركة فكرية، فهل اضطرت الجماعة لحمل السلاح والخروج من صعدة وطرد طلاب دماج وبعدها مواصلة المسيرة باتجاه عمران وصنعاء ولم تتوقف إلا في المحافظات الجنوبية ليصبح تواجدها مفروضا بقوة السلاح؟ هل هي حركة مسلحة أم حركة فكرية، أم أنها حركة فكرية تحولت إلى حركة مسلحة، ويمكنها البقاء في دائرة الحركة الفكرية حالما يتم إيقاف الحرب؟ وماذا عن رصيدها القتالي وتصنيعها العسكرية بعد أن شعرت بقوتها؟
السلاح لن يهزمه السلاح، لكن الفكرة تهزم الفكرة، لذا فإن قوة الحركة الحوثية الحقيقة في فكرتها، وليس في أسلحتها التي تود السعودية نزعها أو تدميرها.

 لقد أمكن للحركة كسر الحاجز بينها وبين السعودية، والتصنيع العسكري يحسب حاليا على الحوثيين، لكنه على المدى الطويل أصبح في رصيد اليمن، اليمن القوي يتشكل فعليا ويؤسس لتحالفات جديدة.
ولأن المعرفة على قدر الحاجة وليست على قدر الثقة، فلم يكشف الحوثيون كل مقدرتهم القتالية حتى للمقربين منهم، لكنهم عادة يعدون بمفاجآت، وهذا جزء من تكتيهم الحربي، وحتى فيما يتم كشفه، فإنهم أيضا يفاجئون أصدقاءهم قبل خصومهم كما قال عبد الباري عطوان.

القوة النووية السعودية
لقد استنفذ التحالف السعودي بنك أهدافه مبكرا، ضرب كل ما طالته يده من منشآت وشخصيات مدنية وعسكرية، في حين أن قائمة أهداف الحوثيين لم تبدأ بعد، واشترت السعودية أحدث الأسلحة في العالم وجربت أسلحة جديدة في اليمن لكن طموحها العسكري لم يتحقق بعد.
السعودية مازالت تتحدث عن إنشاء قوة نووية لتواجه به الطموح الإيراني النووي، وهنا نسأل في حال امتلاك السعودية لسلاح نووي فمن هو المتضرر من هذه القفزة السعودية؟

سيكون اليمن وعمان أول الدول التي تشعر بالخطر السعودي القادم، إن لم يتم إيقاف سياسية التهور التي تعبث باستقرار المنطقة.
يقول الكاتب الأمريكي «فريد زكريا» إنه لا يمكن للسعودية امتلاك وتشغيل سلاح نووي لأنه لا توجد لديها الخبرات، فالتعليم في السعودية متخلف، كما أن عدد غير السعوديين أكثر من عدد السعوديين، وأنه لا مقارنة بين الحضور النووي الإيراني، لأنه بدأ منذ الستينيات، في حين تحتاج السعودية إلى عقود وسنوات لتلحق بإيران، التي تعتمد على خبرات إيرانية وليست أجنبية.

ويرجح زكريا أن يكون الحل هو بدعم وتمويل مشروع نووي كما في باكستان، وقبلها العراق، ولكن هذا الاختيار الذي يطرحه فريد زكريا أحبط بانهيار العراق، وكما شاهدنا تغير علاقة السعودية بباكستان، بعد ذهاب نواز شريف، وأخيرا خروجها من التحالف السعودي ووقوفها ضد حرب اليمن.
 إذا يبقى للسعودية الخيار الأخير وهو التعاون والتحالف مع نظام نووي آخر مناوئ ومعادٍ لإيران، وهنا نجد أن زكريا يقصد بالتأكيد التعاون مع إسرائيل والبرنامج النووي الإسرائيلي. المرحلة القادمة هي مرحلة التحالفات الأوضح.
عن «رأي اليوم»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى