في المشي وصفته

> د. سعيد العوادي

> وبعد..
فهذا ضرب من ترف القول يذهب بك عزيزي القارئ بعيدا عن صهد الحياة ويدرج بك في مضامين شعرية عابثة ولدت في لحظة حانية إما واقعا حينما أخذت الشاعر مبهورا في أحنائها وإما تخيلا حينما ضاق بواقعه فأخذ ينشد بديلا وادعا يستظل به من وقدة العيش اللافح...
منذ أن قال الأعشى. في تشبيهه المحلق صفاﺀ في وصف مشي صاحبته..
كأن مشيتها من بيت جارتها
مرّ السحابة لا ريث ولا عجل.
ثم بتشبيهه الذي كبا به وقد كان محلقا..
تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل.
والشعراﺀ يذهبون في وصفه مذاهب يدور معظمها في التصوير الحسي المنتزع من مفردات المرئيات المباشرة..
يقول ذو الرمة والبيت من شواهد سيبويه

مشين كما اهتزت رماح تسفهت
أعاليها مر الرياح النواسم...
على أن الصورة القاسية عند ذي الرمة ترق قليلا كلما أوغل الزمن وتحضرت الحياة..
إذ حسن الحضارة مجلوب بتطرية على حد قول المتنبي  
ولعله أراد بالتطرية التصنع لا الفطرة...
يقول العرجي:
يمشي كما حركت ريح يمانية
غصنا من البان رطبا طله الرهم..
والغصن أحنا من الرمح.
ولعل البحتري قد انداح في وصف العرجي الآنف لكن على طريقته الأنيقة..
تهتز مثل اهتزاز الغصن أتعبه

مرور غيث من الوسمي صحاح
ولمضرس الفقعسي والمُنخل وصف للمشي لا أحسبه دالا إلا على تصور الشاعر لا فعل الموصوف...
يقول مضرّس:
تساكُرُ سلمى من سجية مشيها
وما سكُر سلمى من طلاﺀ ولا خمر
هي إذن روح الشاعر الثملة حسب.. وقريب منه قول  المنخل..
ودفعتها فتدافعت
مشي القطاة على الغدير.
وتشبيه المُنخّل أدخل في لغة الشعر وأرق مذهبا.. ولكنه تصور الثمل الذي يقول..
ولقد شربت من المدامة
بالكبير وبالصغير
فإذا انتشيت فانني
رب الخورنق والسدير
واذا صحوت فانني
رب الشويهة والبعير..
فاجعل هذه من تصوره هو..

والتهادي ضرب فاتن من المشي يعمد إليه الشعراﺀ. إذ يقترن السير بالتمايل.. هذه زينب صاحبة النميري ومعذبته يقول عنها في تائيته العذبة..
تضوّعَ مسكا بطنُ نَعمانَ إذ مشت
به زينب في نسوة عطرات
تهادين ما بين المُحصّبِ من مِنى
وأقبلن لا شعثا ولا غبراتِ.
يُخبئن أطراف البنان من التقى
ويمشين شطرَ الليل معتمراتِ
وليست كأخرى أوسعت جنب درعها
وأبدت بنان الكف للجمرات

ومالت تراﺀى من بعيد
فأفتنت
برؤيتها من راح من عرفات..
والنميري وزينب.. كعمر بن أبي ربيعة والثريا..
أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين خمسٍ كواعبٍ أتراب
ثم قالوا تحبها قلت بهرا
عدد القطر والحصى والتراب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى