في ذكرى حراك الشباب.. بماذا يحتفل اليمنيون؟ !

> طارق كرمان

> ثمانية أعوام مضت منذ اندلاع شرارة ما سُمّي بـ «ثورة الشباب» في اليمن مدفوعة برياح ما سُمي بـ «ثورة الربيع العربي» التي قدِمت من تونس عابرة لمصر، والتي بدَت لأكثر الناس في بادئ الأمر شعبية تلقائية، ثم تبيّن لاحقاً أنها لم تكن غير مطيّة لتنفيذ مخطط خبيث مدروس بدقة لإسقاط الأنظمة العربية وتدمير بلدانها وتشريد شعوبها.
«الشعب يريد إسقاط النظام»، تحت هذا الشعار المقيت انطلق ذلك الحراك الشبابي ظنّاً منه أنه «كناية» فقط عن الرغبة في إسقاط الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومن ثمّ حل المشاكل الاجتماعية التي تسبب فيها فساد نظامه؛ ليتبين لاحقاً أن من وضع ذلك الشعار كان يقصده حرفياً، ولم يكن يكنّي به عن أمر أهون منه، فكل الذي وصل إليه اليمن اليوم إنما هو الترجمة الحرفية لشعار «إسقاط النظام» بجميع معانيه المتمثلة في هدم مؤسسات الدولة والجيش والأمن وما ينعكس عن ذلك السقوط بالضرورة على كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولأجل ذلك نجد قيادات ذلك الحراك يحتفلون اليوم رغم كل هذا الخراب والدمار والفساد الذي تسببوا به، ولو أن أهدافهم من ذلك الحراك كانت وطنية شريفة لما تجرّؤوا على الاحتفال في الوقت الذي يزداد الوطن، كل يوم وكل ساعة، سقوطاً في الهاوية وضياعاً في النفق.
نكبة فبراير 2011 كانت فرصة سانحة للطامحين بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وعودة سلطة الكهنوت الإمامي بعد تربص دام عقوداً استنفد فيها الإماميون كافة الحيل والسبل.

يزعم قادة ذلك الحراك من حزب الإصلاح، وهو التيار الذي تزعم المعارضة ضد نظام صالح ثم تزعّم الثورة عليه، البراءة مما وصل إليه اليمن مُلقين بكل اللائمة على الرئيس السابق، الذي سلّم لهم السلطة بموجب المبادرة الخليجية، وعلى انقلاب الحوثيين، الذين لم يكونوا إلا أحد مكونات ثورتهم المشؤومة، والذين -ولا عجب- يشاركونهم احتفالاتهم بهذه المناسبة كل عام، مدركين أنه لولا نكبة 11 فبراير 2011 لما كان انقلاب 21 سبتمبر 2014، ولولا اعتصام ساحة التغيير في صنعاء لما تحركت ميليشيات الحوثي من صعدة، ولولا تحييد قوات الجيش التابعة للفرقة الأولى مدرّع بعد انضمام قائدها علي محسن الأحمر إلى ثورة الإصلاح لما تمكّنت تلك الميليشيات من عبور تلك المسافة إلى صنعاء ولو لعشرات السنين.

لو كانت أهداف تلك القيادات وطنية لما وجدت شيئاً يستحق الاحتفال به، فما الذي يحتفلون به إذن في ظل كل هذه الأهوال والمآسي والمصائب التي تحيط بشعبنا اليوم؟ وهل كان مجرّد سقوط نظام علي عبدالله صالح يستحق كل هذا الثمن وبالتالي يستحق الاحتفاء به؟
كانت نكبة فبراير 2011 فرصة سانحة للطامحين بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وعودة سلطة الكهنوت الإمامي بعد تربص دام عقوداً استنفد فيها الإماميون كافة الحيل والسبل، وظهرت بشكل علني منذ دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء كشركاء إلى جانب الإخوان في نكبة الحادي عشر من فبراير المشؤومة، بعد أن كانت مجرد أحلام تراودهم منذ انطلاق ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 المجيدة؛ ليجدوا من نكبة فبراير بوابة للعودة إلى نظام الإمامة مستغلين الخلافات السياسية في الصف الجمهوري، والتي نتجت عن فتنة الحادي عشر من فبراير المشؤومة.

ثماني سنين عجاف مرت لم يجد الشعب فيها من مشعلي الفتنة سوى الدمار والخراب وضياع وطن، أما أولئك القابعون في أبراج عاجية ويمتصون خيرات الشعب فلا يجدون ما يتحدثون به عن يومهم المشؤوم، ولم يتحقق لهم إنجاز سوى صور «السلفي» في دول العالم كسياح ونازحين، وأحاديثهم التي لا تكاد تنقطع عن مخرجات الحوار الوطني، تلك المخرجات التي كان يمكن تحقيقها بالحوار البناء والمسؤول دون كل هذا الخراب والتدمير.

نكبة فبراير حصادها مر على كل يمني سواء من أيّد تلك الفوضى أو من عارضها، فلم تحقق تلك الفوضى غير الخسائر الفادحة المهولة، سواء البشرية أو الاقتصادية أو في البنية التحتية أو في شتى المجالات، ودفع اليمنيون فاتورة باهظة من دمائهم ومصادر عيشهم.. عشرات الآلاف قُتلوا، وأضعافهم جرحى يحملون إعاقات دائمة، وأضعاف أضعافهم مشردون في أصقاع الأرض.. فبماذا
يحتفل المحتفلون؟

التقارير الدولية تحدثت غير مرة عن وجود ما يزيد عن 22 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية يشكِّلون أكثر من 75 % من إجمالي عدد السكان، منهم ثمانية ملايين وأربعمائة ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويواجهون خطر المجاعة، فضلاً عن أربعة ملايين نازح ومهجّر قسرياً.. فبماذا يحتفل المحتفلون؟
بعد مرور ثماني سنوات من النكبة والصف الجمهوري في صراع عبثي لا يخدم سوى ميليشيات الحوثي الإرهابية، التي أهلكت الحرث والنسل بسياسة ممنهجة للانتقام من اليمنيين، حيث سعت جاهدة لإيجاد شرخ اجتماعي بمختلف الوسائل، وحشرت اليمن في نقطة ضيقة خدمة لمشروعها الطائفي الذي تسعى لجعله ورقة بيد أسيادها في إيران بعد أن كان نظام الحكم في اليمن ديمقراطياً شامخاً بجمهوريته وعروبته، فبماذا يحتفل المحتفلون؟ سؤالٌ صعبٌ لم أجد له إجابة مقنعة.

عن «العرب»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى