قصة قصيدة: بين (نعم وبلى) في عصي الدمع!

> محمد حسين الدباء

>
محمد الدباء
محمد الدباء
​أراكَ عصيَّ الدَّمعِ شيمتك الصبرُ
أمَا للهوى نهيٌ عليك ولا أمْرُ
نعم أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعةٌ
ولكنَّ مثلي لا يُذاعُ له سِرُ

لإذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً من خلائقه الكبرُ
تكادُ تضيء النارُ بين جوانحي
إذا هي أذكتها الصبابةُ والفكرُ

مُعَلِّلتي بالوصل والموتُ دونه
إذا متّ ظمآناً فلا نزل القَطرُ
وقالتْ لقد أزرى بك الدَّهرُ بَعدَنا
فقلتُ معاذَ الله بل أنتِ لا الدَّهرُ
هذه القصيدة هو الشاعر أبو فراس الحمداني (932 - 967) ويُدعَى (الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان الحمداني) وهو من مواليد مدينة (الموصل) ومن قتلى مدينة (حمص) وقد كفله ابن عمِّه سيف الدَّولة فنشَّأه على الفروسيَّة والأدب واصطحبه في معاركه وقد أسره الروم مرَّتين حيث ظلَّ حبيس الأسر الأوَّل قرابة سبع سنين ثم هرب وتم أسره مرَّة ثانية في موقعة (مغارة كحل) عام959 ميلادية وقد ظلَّ أسيراً ولم يُفَك أسره إلَّا قبل وفاته بعامين وبعد خروجه من الأسر ولي حمص ولمَّا مات سيفُ الدولة طمع فيها فاعترضه ابنه وقاتله فقتله ومات بعد أن بلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً.

تعتبر هذه القصيدة من أوائل القصائد التي تغنَّت بها كوكب الشرق السيدة (أم كلثوم) في بدايتها الفنيَّة عام1926 وقد تدرَّبتْ على غنائها على يد أستاذها المُلحِّن الكبير الشيخ أبو العلا محمد الذي كان قد سبقها بعدَّة سنوات إلى غناء هذه القصيدة وتسجيلها على اسطوانات من قبل أن تسجِّلها أم كلثوم بصوتها لنفس الشركة والشيء الطريف أنَّ أم كلثوم تغنَّتْ بهذه الأغنية بثلاثة ألحان مختلفة لثلاثة مُلحِّنين مختلفين على مدار مشوارها الفنِّي الشديد الثراء كانت المرَّة الأولى عام1926 من ألحان الموسيقار (عبده الحامولي) وقد سجَّلتها على اسطوانة أنتجتها شركة (أوديون للفونوغراف) ثم غنَّتها عام 1944 بلحن جديد وضعه الموسيقار زكريَّا أحمد إلَّا أنها لم تُسجِّل هذا اللحن على اسطوانات... وفي يوم الخميس الموافق 3 ديسمبر من عام1964 أعادت أم كلثوم غناء القصيدة بلحن ثالث وضعه الموسيقار (رياض السنياطي) بعد أن أضاف للأبيات (السِّتَّة) التي لحَّنها المُلحِّنان السابقان له (ثلاثة) أبيات جديدة تم اختيارها من مجموع الأبيات الأصليَّة للقصيدة البالغ عددها54 بيتاً وهذه الأبيات الثلاثة التي أُضيفتْ للَّحن الثالث هي:
وفيتُ وفي بعض الوفاء مذلَّةٌ
لفاتنةٍ في الحيِّ شيمتها الغَدرُ
تُسائلُني مَن أنتَ وهي عليمةٌ
وهل بفتًى مثلي على حاله نُكرُ؟
فقلتُ كما شاءتْ وشاء لها الهوى
قَتيلُكِ قالتْ: أيهم إنَّهُم كُثرُ؟

رفضت أم كلثوم كلمة (بلى) في غنائها، لأن حروفها قريبة من حروف (البلاء)، وأصرت على تغييرها في الغناء، فجعلتها (نعم أنا مشتاق...) فلو حاسبناها لغويًا لقلنا لها: إنك تنفين أن يكون للهوى سلطان عليك، فأنت لا تحبين، بلى: حرف جواب يقع بعد النفي فيجعله إثباتًا: قال لي: لم يحضر أحد؟ قلت له: بلى (أعني أن هناك من حضر)، وتفيد الاختصار، فبدلاً من أن أقول لقد حضر... أكتفي بالحرف (بلى).. ولكن الأغنية اشتهرت، وفهمها الجمهور فهمًا لا يعتمد على قواعد النحو.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى