الحديدة.. جمود المسار العسكري يمهد لانهيار وشيك في العملية السياسية

> آدم بارون​

>
مرت ثلاثة أشهر منذ أن وقّع ممثلو الحكومة اليمنية “المعترف بها دولياً” والحوثيون على اتفاقية ستوكهولم. يعد الاتفاق في كثير من النواحي أحد أهم الإنجازات الدبلوماسية في الصراع اليمني، ونتاج لمحادثات متعددة الجنسيات، التي تدعمها الأمم المتحدة. عقب أشهُر من الدبلوماسية المكوكية التي قام بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن جريفيثس، واستثمار رأس المال الدبلوماسي الكبير لمجموعة من الأطراف الغربية والشرق أوسطية، أظهرت “الاتفاقية الثلاثية” تقدماً ملموساً وإن كان مبدئياً نحو السلام. من المحتمل أن يكون ذلك بمثابة تمهيد لنوع من تراجع الصراع الذي لم يسبق له مثيل منذ الجولات السابقة من المحادثات في سويسرا والكويت، مع ذلك، فإن واقع ما بعد ستوكهولم ما يزال هشاً.

في حديثه أثناء زيارته لمدينة عدن الجنوبية في 3 مارس، علق وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، قائلاً إن اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة “قد يموت في غضون أسابيع”، باعتبار أن الاتفاقية تمثل “الفرصة الأخيرة للسلام”. لم تنفذ الأطراف المتصارعة في اليمن حتى الآن تدابير اتفاق ستوكهولم بشأن تبادل الأسرى ووقف التصعيد في محافظة الحديدة. وما لم يفعلوا ذلك -على الأرجح تحت ضغوط دولية متواصلة- قد ينهار الاتفاق بأكمله ويدفع بالوضع نحو قتال أعنف.

اتفاق الحديدة
يركز العنصر الأول والأكثر أهمية في اتفاق ستوكهولم على الحديدة، التي تحتضن ميناء رئيسي تصفه منظمات الإغاثة الدولية بأنه “شريان الحياة في اليمن” ، وكانت المدينة -إلى جانب ساحل البحر الأحمر في اليمن- محور حملة عسكرية استمرت 18 شهراً من قِبل التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذي يدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ويخشى معظم الفاعلين الدوليين المشاركين في المفاوضات حول النزاع في اليمن من أن يؤدي الصراع من أجل المدينة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد بشكل كبير.

سهلت اتفاقية ستوكهولم وصول المساعدات الإنسانية إلى مطاحن البحر الأحمر، وأدت إلى عقد اجتماعات لجان إعادة الانتشار ووقف التصعيد، حيث حل الجنرال الدنماركي (المتقاعد)، مايكل لوليسغارد، محل الرئيس السابق لقوات المراقبة الدولية، الجنرال الهولندي (المتقاعد) باتريك كومارت. ومع ذلك، لم تبدأ بعد المرحلة الأولى بموجب الاتفاقية، التي تتضمن انسحاب القوات من موانئ رأس عيسى والصليف والحديدة، وكذلك من كيلو 8، وهو خط المواجهة بالقرب من مدينة الحديدة، ويرجع ذلك جزئياً إلى خلافات حول مضمون اتفاقية ستوكهولم، التي غالباً ما كانت غامضة الصياغة.

على سبيل المثال، كان هناك نقاشاً مهماً حول نوعية “القوات المحلية” التي تهدف إلى ملء الفراغ بعد انسحاب التحالف أو الحوثيين. وقد فسر الحوثيون هذه العبارة على أنها إشارة إلى أن حلفاءهم المحليين يمكنهم البقاء في مكانهم، بينما قال العديد من المسؤولين الأجانب إن “روح الاتفاقية” تدعو الجهات الفاعلة المحايدة إلى أن تحل محلها. وتفسيراً منهم على أنه انسحاب واسع من الحوثيين، جمع مسؤولون حكوميون يمنيون قوائم شاملة بالانتهاكات المزعومة من الحوثيين للاتفاقية.

تشير الاتصالات المستمرة بحركة الحوثي إلى أنها مترددة في منح القوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً فرصة لوضع موطئ قدم لها في الحديدة خشية انهيار عملية السلام، أو الانسحاب بطريقة من شأنها أن تشكل سابقة لمحادثات مستقبلية. وهكذا، فإن انعدام الثقة قد زاد من صعوبة تنفيذ الجوانب الرئيسية لاتفاق ستوكهولم.
“إنها السياسة الأساسية”، وقال أحد المسؤولين الغربيين المشاركين عن كثب في المحادثات: “إن الحكومة تريد شعبها والحوثيون لا يريدون لها ذلك”.

اتفاقية تبادل الأسرى
يشمل الجزء الثاني من اتفاقية ستوكهولم تبادل ما يصل إلى 16000 سجين، ومن بين هؤلاء السجناء العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، التي احتجزتها السلطات المتحالفة مع الحوثيين منذ ما قبل إطلاق عملية “عاصفة الحزم” المتمثلة بالتدخل العسكري للتحالف الذي بدأ في عام 2015.
وتصف جهات الاتصال المشاركة في مفاوضات تبادل الأسرى الاتفاقية بشكل عام “بأنها مثمرة”. مشيرة إلى تركيزها الفني، وأشادت بدور اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تكفلت بتسهيل العملية. ومع ذلك، في حين أن هناك اتفاقاً واسعاً على عملية التبادل -حيث كان سيتم إطلاق سراح السجناء بترتيب أبجدي يجري نقلهم على متن مروحية، إلى نقاط الاستقبال في محافظتي حضرموت والجوف- فقد أعاقت سلسلة من القضايا السياسية والتقنية، إلى حد كبير، هذا المجهود.

اتفاقية تعز
في حين أن اتفاق تعز هو الأقل جوهرية في الأجزاء الثلاثة لاتفاقية ستوكهولم، إلا أنه ما يزال مهماً، لأنه يركز على واحدة من المناطق اليمنية التي تضررت بشدة من النزاع. يرى دبلوماسيون مطلعون على اتفاق تعز -الذي يدعو إلى إنشاء لجنة مشتركة مؤلفة من ممثلين عن الحكومة اليمنية والحوثيين فضلاً عن أعضاء من منظمات المجتمع المدني في المنطقة- يرى أنه يمهد الطريق لمزيد من المفاوضات الموضوعية، وتطوراً للعملية السياسية، وعلى الرغم من تسمية ممثليها، إلا أن اللجنة لم تجتمع بعد، بسبب الخلافات بين أعضائها.

وركزت العديد من الجهود الدولية الأخيرة لإنهاء الصراع في اليمن -وليس أقلها دبلوماسية جولة جيرمي هانت المكوكية- على الحفاظ على اتفاقية ستوكهولم من خلال التقدم الملموس في انسحاب القوات على ساحل البحر الأحمر. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدول الموقعة عليها ملتزمة بتقديم التضحية المطلوبة التي تتطلبها الاتفاقية، أو أنها مجرد محاولة لتجنب لومها على فشلها المحتمل.

كل هذا يأتي وسط نشاط متزايد للجماعات السياسية اليمنية. فقد قام قادة وممثلو المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، الذي تم استبعاده من عملية السلام الرسمية، بجولة واسعة في عديد العواصم الأوروبية ولأول مرة. وفي الوقت نفسه، استمرت الجهود لعقد جلسات البرلمان تحت رعاية الحكومة المعترف بها دولياً، لكن دون تحقيق أي تقدم واضح، وقد حاول بعض خصوم الرئيس عبدربه منصور هادي الداخليين جره إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً تجاه الحوثيين.

ومع ذلك، هناك معارك مستمرة بين التحالف والحوثيين في بعض أنحاء اليمن. اتهم الجانبان بعضهما البعض بالتورط في انتهاك وقف إطلاق النار في الحديدة وما حولها، ونفذ الحوثيون هجوماً استفزازياً بطائرة بدون طيار استهدف كبار ضباط الجيش اليمني، وحدثت أعمال عنف في منطقة حجور بمحافظة حجة، حيث أدى التوتر القبلي مع الحوثيين إلى ثورة شاملة هناك، وفي محافظة الضالع كذلك استمرت المواجهات.

طالما استمرت اتفاقية الحديدة في التماسك، ما يزال هناك أمل ضعيف في وقف التصعيد، ولكن كلما مر الوقت دون إحراز تقدم كبير في تنفيذ شروطه، زاد خطر انهيار العملية السياسية الأوسع.

عن “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى