أين يذهب زوجي في 25 مارس ؟! "قصة قصيرة"

> مؤمن رضا

>
استيقظتُ هذا الصَّباح وكُلّي تحفّز، منذ العام الماضي أنتظر في صبرٍ يومَ 25 مارس، هذا التاريخ قد تبقّى عليه يومٌ واحد، هذا التَّاريخ الغامض الذي يَملؤني الفضولُ لِمَعرفة ما يفعله فيه زوجي، في مثل هذا اليوم من كلِّ عامٍ طوال تسع سنواتٍ - هي عمر زواجنا - يُواظِب فيه على الاختِفاء تماماً، الحقّ أنَّ حججه كثيرة، ومختلفة في كلِّ مرة؛ لذلك لم ألحَظْ سوى العام الماضي، وتأكَّدت الآن!

هذه المرَّةَ كان ينتظر بفارغ الصَّبر أسبوعاً إجازة، ولمَّا ناله، تحجّج أنَّهم يريدونه في العمل ثالثَ أيام إجازته: (25 مارس)؛ من أجل مشكلةٍ طارئة في الإسكندريَّة، هنا عصفَتْ بي الشّكوك، رفعتُ سماعة الهاتف، وأجريتُ عدة اتصالات، تيقَّنت بعدها من كذبِه، وبدأت الافتراضاتُ التي تَقْوَى وتضعف قوَّتُها في عقلي وعقولِ صديقاتي المقرَّبات اللائي بُحْت لهنَّ بخواطري حول هذا اليوم.

أين يذهب زوجي في 25 مارس؟
قالت «نادية» وهي تلوك العلكة في النادي:
«خيانة طبعاً، الباشا (بيلعب بديله)، يذهب للمرح الذي كان عليه وقت العزوبيَّة، يستعيد ذكريات العبث، حتَّى لو كان هذا ليومٍ واحد».

حسنًا، هذا احتمالٌ واهٍ حقًّا، برغم أنه أقربُ لتفكيري كأنثى، لكنَّه مناسب أكثر لـ «نادية» المطلَّقة التي فرضَتْ عليها تجربتها الفاشلة في الزواج أن تنظر للرِّجال كلهم باعتبارهم (عينيهم فارغة)، لن أقول: إنِّي أعرف «حساماً» زوجي جيداً، وإنَّ وقاره لن يدفَعه للمُراهقة التي تراها «نادية»، بل سأكون عمليَّة أكثر، وأَنفي هذا الاحتمال؛ لأنَّه لا يفسِّر لماذا الإصرارُ على تاريخٍ بِعَينه مهما كانت الظّروف، يكفيه أن ينتَقِي أيَّ يوم للرَّاحة متَى ناسبَه الوقت، والأهم أنَّ رأيها كان يمكن أن يكون مقبولاً أكثر في الصيف.
قالت «عزَّة» جارتي الشابَّة التي أراها مخبولة قليلاً؛ بسبب إدمانها للأفلام: «يوم محدد كلَّ عام، ربما يُمارس طقسًا معيَّنًا في هذا اليوم بالتحديد. سِحر ما، أو شيء له علاقة بمناسبة دينيَّةٍ ما، ربَّما تتحرَّر في هذا اليوم قوى الـ...».
لكنِّي كنت قد أنهيتُ المكالمة، فلم أتمكَّن للأسف من معرفة أيَّة قوى تقصد!

قالت «سوسن» محامية الشَّركة التي أعمل بها، وأَرجَحُ صديقاتي عقلاً، وأكثرهنَّ رزانةً وأكبرهنَّ عمرًا وخبرة بعد فترةِ صمت: «هل سألتِه ببساطة؟، هل سألتِ «حساماً» بمنتهى البساطة: أين يذهب في يوم 25 مارس؟
«لا».
«و لِمَ؟».
«لأنَّه يكذب، في كلِّ مرة يكذب في مبرِّراته للاختفاء، والرجل لا يكذب إلاَّ لِيُخفي شيئًا، وقد قرَّرتُ أن أنتظر؛ ربَّما تصلني المعلومة دون جهد».
«لكنك ترهقين نفسك في البحث عن إجابة».

«ربما لأنني لم أعُد أستطيع الانتظار، الواقع أنَّ الفضول يقتلني».
«وماذا أعددْتِ للغد؟».
«سأراقبه».
«لا أنصح بهذا، ربما لن يُعجِبك ما سترَينه».
«الشيء الوحيد الذي لن يعجبني هو الخيانة، وأنا أستبعِدُها تماماً».
أستبعد أيضًا فكرة الزَّواج بأخرى؛ لأنَّ المرأة التي ترضاه زوجًا لها يومًا في العام فقط ليست موجودة، وإن كانت، فأعتقد أنَّني سأكون كريمةً معها في هذا اليوم، وسأترُكُه لها؛ لأنَّه لي وحدي باقي الأيام كلها».
***

جاء اليوم، وأعددتُ كلَّ شيء؛ بحيث أنفِّذ ما أنا عازمةٌ عليه، بغير أن يشعر بي هو، وأعتقدُ أنِّي كنتُ ناجحة في هذا.
في الصباح أعددتُ له إفطاره وقهوته، وودَّعتُه دون أن أُشعره بشيء، وما أن ابتعدَ بسيَّارته حتَّى دلفتُ إلى سيارة «سوسن» التي - وإنْ عارضَتْني أوَّلاً بشأن المراقبة - قرَّرَتْ مساعدتي؛ لِتُشبع فضولها هي الأخرى في لغز 25 مارس.
وانطلَقْنا خلفَه بحذر، ووجدتُ أنه ذاهبٌ إلى الإسكندرية حقًّا.

وهناك، كِدْنا نفقد أثره؛ بسبب الزحام، لكنِّي تعرَّفتُ على السيَّارة، وقد توقَّفَت أمام محل كبير يبيع كلَّ شيء، ترجَّل «حسام» وغاب طويلاً داخل المحل، وعاد حاملاً لفافة لم أتعرَّف محتواها، ثم انطلق بالسيارة مجدَّدًا - ونحن خلفه - إلى منطقةٍ فقيرة أقلَّ ازدحامًا، وللحظةٍ أحسستُ أنَّه لا بدَّ وأن يكون قد شعر بنا خلفه، لكنَّه ماضٍ، إلى أين؟!
إلى المَقابر!
ماذا؟ المقابر؟ ماذا سيفعل فيها؟!
«سِحر ما، أو شيء له علاقة بمناسبة دينيَّةٍ ما»؟
الآن أراه بوضوحٍ يترجَّل، يقترب من رَجُل عجوز، يهمس في أذنه بشيءٍ ما، فيقوده إلى الدَّاخل، كالمنوَّمة أسير خلفه، لو التفتَ وراءه لرآني.
لكنه لن يفعل، لا يريد أن يفعل.
وبهدوء يتوقَّف أمام إحدى المقابر، فيتركه الرجل بعد أن يُناوله معولاً صغيراً، ينحني «حسام» ويحفر قليلاً دون تعمّق، ويضع اللفافة التي اشتراها، ثم يردم ما حفره.
«ربما لن يعجبك ما سترينه».
أنا لا أفهم ما أَراه.

بهدوءٍ ورهبة أقتربُ منه.
قال دون أن يلتفت:
«عرفتِ أخيرًا؟».
«لم أعرف شيئًا».
«إنها (ياسمين)، حُبِّي الأول منذ الطّفولة، ماتت بسرطان العظم من عشر سنوات، واليوم 25 مارس هو يوم ميلادها الثالث والثلاثون، لو كانت بقيَتْ حيَّة، تعوَّدتُ دائماً أن أشتري لها في هذه المناسبة شيئًا جديدًا لا تمتلكه.
طلبت منِّي أن أتزوَّج بعدها، لكن أُواصل تقديم الهدايا؛ لأتذكَّرها يومًا في العام.
يوم 25 مارس».
صمَت طويلاً وقلت:
«ولماذا أخفيتَ الأمر عني؟».

«حرصًا على مشاعرك».
والتفتَ إليَّ، فرأيتُ دموعه، وتابع: «قد يكون هذا قاسيًا عليكِ، لكنَّك لا تُدركين معنى تلبية وصيَّة مريضٍ يتعذَّب ويحتضر».
آسف.. حقًّا آسف».
«الشيء الوحيد الذي لن يُعجبني هو الخيانة».
عرفتُ سرَّ 25 مارس، وليتني ما عرفتُه!
هل هي خيانة؟
حقًّا لا أعرف.

ربما لم أكن صريحةً مع نفسي عندما فكَّرت أنَّني أقبل أن يكون زوجي لغيري يومًا في العام، الواقع أنني لا أقبل أن يكون زوجي لأُخرى، حتَّى وإن كانت هذه الأُخرى ميتةً من عشر سنوات!.
هل «نادية» هي أكثر مَن عرفتُهنَّ حكمة، ولا يوجد رجلٌ مخلص تمامًا، أم أنَّ «نهى» أكثر عقلاً، ولا بُدَّ ألاَّ أخرب بيتي بنفسي؛ لسبب تافهٍ كهذا؟.
حقًّا لا أعرف، لكنِّي أعرف حتمًا أنني لن أترك «حسامًا» يختفي 25 مارس في العام القادم!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى