قصة قصيبدة: أضاعوني وأي فتى أضاعوا

> محمد حسين الدباء

> تبدأ قصة هذه القصيدة وهي للعرجي، وهو عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- رغب بمنصب سياسي في خلافة هشام بن عبد الملك، وقد تطلعت نفسه لولاية مكة، وكان محمد بن هشام المخزومي خال الخليفة يتلمس المنصب نفسه الذي يريده العرجي؛ فأسند الخليفة ولاية مكة لخاله، وهنا بدأ الصدام بين العرجي والمخزومي، ولجأ كلّ واحدٍ لسلاحه.
ارتكز المخزومي على ابن أخته الخليفة هشام، وتحصّن العرجي بشعره ولسانه؛ فتغزل غزلًا صريحًا بأم المخزومي (جيداء)، وبزوجته (جبرة المخزومية)، وفيها يقول:
إلى جيداء قد بعثوا رسولا
ليخبرها فلا صحب الرسول
كأن العام ليس بعام حج
تغيرت المواسم والشكول
فلما علم محمد المخزومي وكان على ولاية الحجاز بتغزله بأمه وزوجته عنوة ونكاية فيه، ألقى عليه القبض وضربه ضربا مبرحا، وصب الزيت على رأسه، وأوقفه للناس في الشمس حتى غشي عليه، وسجنه تسع سنين حتى مات في سجنه حوالي سنة 120هـ.
وبعد أن اشتد عليه سجنه وطالت عيه مدته قال قصيدة الشهيرة:
أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسِدادِ ثـَغْـر
وصبرٍ عند معترَك المنـايا
وقد شُرِعتْ أسنَّتُها بنَحري
أجرِّر في الجوامع كـل يومٍ
فيا لله مَظْلَمَتي وصـبـري
كأنّي لم أكن فيهم وسيطًا
ولم تكُ نسبتي في آل عمرو
وقيل إنه لما أفضت الخلافة إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك قبض على محمد بن هشام، وضُرب بالسياط ضربًا مبرِّحًا، ثم كانت نهايته، وكان ذلك انتقاما للعَرْجي، إذ كان قريبًا للخليفة، حيث ينتميان بنسب إلى الخليفة عثمان.
قال إسحاق المَوْصِلي في خبره: غنيت الرشيد يوماً في عُرض الغناء:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثـغـر
فقال لي: ما كان سبب هذا الشعر حتى قاله العرجي؟
فأخبرته بخبره من أوله إلى أن مات، فرأيته يتغيظ كلما مر منه شيء. فأتبعته بحديث مقتل ابني هشام، فجعل وجهه يسفر وغيظه يسكن، فلما انقضى الحديث، قال لي: يا إسحق! والله لولا ما حدثتني به من فعل الوليد لما تركت أحدًا من أماثل بني مخزوم إلا قتلته بالعرجي.
وأورد أبو فرج الأصفهاني في كتابه (الأغاني) حكايات طريفة وردت حول هذا البيت:
أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسِدادِ ثـَغْـر
كان لأبي حنيفة القاضي جارٌ بالكوفة يغني، فكان إذا انصرف وقد سكر يغني في غرفته، ويسمع أبو حنيفة غناءه فيعجبه. وكان كثيراً ما يغني:
أضاعوني وأي فتًى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسِداد ثـَغْـر
فلقيه العسس ليلةً فأخذوه وحبس، ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة، فسأل عنه من غدٍ فأخبِر، فركب إلى عيسى بن موسى فقال له: إن لي جارًا أخذه عسسك البارحة فحبس، وما علمت منه إلا خيرًا.
فقال عيسى: سلموا إلى أبي حنيفة كل من أخذه العسس البارحة، فأطلقوا جميعًا. فلما خرج الفتى دعا به أبو حنيفة، وقال له سرًا: ألست كنت تغني يا فتىً كل ليلة: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ؟، فهل أضعناك؟
قال: لا والله أيها القاضي، ولكن أحسنت وتكرمت، أحسن الله جزاءك!
قال أبو حنيفة: فعد إلى ما كنت تغنيه، فإني كنت آنس به، ولم أر به باسًا. قال: أفعل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى