بين ماضينا وحاضرهم

> أحمد أبوبكر عبدالله

> يعود الناس لماضيهم حين يعجزون عن صنع حاضرهم. بينما نحن أكثر الشعوب تغنياً بالماضي، فالهروب للماضي دليل على عجز وفشل  في صنع الحاضر.
كذب من قال: “إن من ليس له ماضٍ ليس له حاضر”، إذاً أين هو ماضي الأمريكيين؟ وأين هو حاضر الإغريقيين؟.

يتغنى المصريون بأهرامات الفراعنة، لأنهم عجزوا عن بناء ربع ناطحات سنغافورة الجزيرة النائية في عمق المحيط الهندي، وعجز اليمنيون عن إضافة شيء في حاضرهم، فلجؤوا إلى تمجيد ما تبقى من حضارة سبأ وقوم حمير.
في البلاد العربية يتغنون بعبدالناصر وإبراهيم الحمدي، ويمجدون أم كلثوم ودريد لحام، فأطلقوا على زمنهم (الزمن الجميل) في اعترافٍ صريح بأن حاضرهم قبيح وسيئ.

وفي بلاد الآخرين، ينكسون أعلامهم الوطنية مع كل ذكرى سنوية تذكرهم بنابليون بونابرت أو هتلر أو موسليني، وتطلق على زمنهم بـ “زمن الفاشية” البغيضة و “النازية المقيتة”، بينما في بلادنا العربية مافتئنا نمجد قادة مندثرين لأحزابِ مزمنة.
وفي بلاد الآخرين يهتمون بنشئهم، لأنهم من سيصنع المستقبل، ومن سيكون له قادة.

الماضي لدى تلك البلدان أزمنة مظلمة، ومجرد التفكير في العودة إليه، أو التغني ببعض ماضيه، جرائم وطنية كبرى تستحق في دساتيرهم أقسى العقوبات. ومتاحفهم إن وجدت تحكي لهم تاريخهم الوطني، لكن لا يمكن لك أن تجد فيها (سروال) الملك المؤسس، أو حذاءً قديماً يتربع داخل صندوق زجاجي فاخر، كان يوماً ما حذاءً محظوظاً لفخامة الزعيم، أو تجد مسبحة خرافية بطول بضعة أمتار كانت لسيدة عظيمة تستغفر ربها الذي ابتلاها بحكم قوم لا يفقهون.

لم يقف الصينيون خلف سور جدهم العظيم، بل وصلوا بحاضرهم الصناعي والتجاري إلى دار وبيت كل من يسكن على وجه هذه الأرض، ولم يقف الإنجليز عند الساعة التي صنعها لهم جدهم (بيج بن) يحصون أعمارهم، ويعدون بها الدقائق والثواني، حتى يأتيهم (المهدي المنتظر)، بل انتشروا في أصقاع الأرض، وصنعوا إمبراطورية ما كانت لا تغرب عنها الشمس في يوم من الأيام.
انتصر زعيمهم الشهير وينستون تشيرشل على هتلر في الحرب العالمية الثانية، لكنه عندما دخل الانتخابات بعد الحرب، خسرها، فقد قال له الشعب البريطاني: من يصلح للحرب لا يصلح للسلم، لم يبنوا له تماثيل في شوارع لندن، ولم يعد الرجل لديهم إلا كرجلٍ مر يوماً على صفحة هامة من صفحات تاريخهم الطويل.

إنها شعوب منشغلة بالحاضر ومستجداته وتفاعلاته اليومية، ولم يعد لديها فائضاً من الوقت لتصرفه للحفر والتفتيش في مقابر الزمن الماضي.

*مقتبسة بتصرف من موسوعة المعلومات عبر الوسائط​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى