المصافي وسقوطها بالضربة القاضية

> علي ثابت القضيبي

>
علي القضيبي
علي القضيبي
لم يتنبّه كثيرون لإعلان نبأ انتهاء العصر الذّهبي لمصفاة عدن، أو بالأصح الإعلان الرّسمي لشهادة وفاتها، وهذا تضمّنهُ صراحة منشور مديرها رقم (1) لهذا العام، بل ومن السطرِ الأول لديباجتهِ، وذلك عندما قال، كالمزهو فرحاً، إنّ فخامة الرئيس قد تكرّم ووجّه وزارة المالية باعتماد رواتب المصفاة من الموازنة.. إلخ. وطبعاً كلنا نعرف أنّ هذه المصفاة ووزارة الأسماك تكفلتا بثلاثة أرباع موازنة دولة جنوبنا السّابقة، لا تعجبوا هنا.

بعد مرورِ كل أيام يناير الفائت، وبعدهُ بأسبوع أيضاً، كان عمال المصفاة لم يستلموا رواتبهم بعد، هنا بدأ العمال يقلّمون أظافرهم قلقاً، فقد سرَتْ أنباء أكيدة أن المالية تطالبُ بإيرادات الخزنِ للمصفاةِ، وهذا حدث قبل أيضاً. لكنّ الرد على ذلك هو في جوفِ بالوعةٍ عميقةٍ في دهاليز المصفاة، ولنعطي هنا نموذجاً لهذه البالوعة: إنها الباخرة زابيل (التابعةٌ للتاجر العيسي) فهي دخلت رصيف ميناء الزّيت بدون رسوم ولا جمارك، ولا.. ولا، وهي محمّلةً بآلاف الأطنان، وقضت فيهِ قرابة شهرٍ و18 يوماً، أي تحوّلت إلى خزّانٍ عائم، وغادرتهُ مؤخراً، ومثلها تفعل كثيراً بواخرِ هذا التاجر، وبينها من يضخٌ مخزونها، والحساب في نفس البالوعة التي أشرنا.

أيضاً أُشيرُ هنا إلى أنّ المصفاة بكل بنيتها المطمورة تحت الأرض، وميناء الزّيت العملاق، وكذلك الأنابيبُ فوق الأرض، إضافةً إلى كل التّجهيزاتِ والورش الضّخمة ومحطة الكهرباء، ناهيكَ عن كل أحياء البريقة مجتمعةً (سي كلاس، بي كلاس، كود النّمر، الخيسة) وبطرقاتها ودكاكينها وملاعبها ومرافقها، كلٌ هذه بُنيتْ في عامين فقط! وهذهِ الشركة الصينية في ثلاثة أعوام لم تقم إلا بهدم محطّة كهرباء المصفاة وتدمير صبّياتها المتينة وحسب، والآن يقومُ نفس خُبراء هذه الشركة الطّفرة والأعجوبة بحفر الأرض وتمديدِ أنابيب لمحطّات كهرباء الحسوة والمنصورة! والغريبة أنّ كل عملها في محطة كهرباء المصفاة جرى وراء ستارٍ عالٍ من الصفائح الحديدية حتى لا يرى المارة ماذا يعملون أصلاً!

في يقيني أنّ ثمّة قرارٍا سلطويا عالي المستوى قد أُتّخذ بصدد إنهاءِ هذه المنشأة العملاقة تدريجياً، وأُعني هنا التّخلص من مهماتها في التّكرير وحصرها على الخزنِ لصالح بعض النّافذين، وهم معروفون، لأنّ ما يجري في المصفاة مبرمجٌ ومُخططٌ له وبإتقانٍ مذهل، بل ويسير بكل هدؤ. لاحظوا هنا أنه لمْ يعد يجري أي تأهيلٍ للكادر الحرفي المؤهل ليحلّ بديلاً من طوابير المتقاعدين ذوي الخبرة في تشغيل المصفاة. ثم إنّ هذه رغبةً سلطوية لتجريد الجنوب من أهمّ مقوماتهِ الاقتصادية لإجبارهِ على السّيرِ في فلكِ هذه الوحدة السوداء، ولاحظوا أيضاً أنه لم تَجْرِ أي محاسبةٍ جادّةٍ لكل عبث وطغيان وفساد إدارة هذه المصفاة التي شاطت رائحتها وبلغت كل الأصقاع.

في الأخير، ولمن يُعلق الأمل جاداً بعودة المصفاة للحياة فعلاً، أعتقدُ أنه يتّفق معي على أن تتحمّلَ دولة الإمارات الشقيقة مهمة ترميم المصفاة وإعادتها للحياة كما فعلت في محطّات الكهرباء الضّخمة والمستشفيات وخلافه، وممكن أن يكون ذلك قرضاً تستردّهُ تدريجياً بعد إعادة تشغيل المصفاة. وطبعاً لن يتم هذا إلا بعد إقالة كل إدارة العبث والفساد والحالية، وهم متقاعدون أصلاً، كما ويمكن إحالتهم إلى المحاكم على عبثهم، هذا فيما إذا كانت الشقيقة الإمارات صادقةً فعلاً في دعم هذه البلاد، وكذلك فيما إذا كانت هذه السلطة الشّرعية جادة حقاً في تحسين الأوضاع.. أليس كذلك؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى