الصوت العاشر

> حسين باراس

>
حسين باراس
حسين باراس
عقب حرب 6 أكتوبر 1973 بين العرب والكيان الصهيوني وبعد التراجع النسبي الذي تعرضت له إسرائيل في الأيام الأولى للحرب، يقال إن النظام الإسرائيلي طوّر طريقة إدارية جديدة للتعامل مع المواقف والأحداث التي تواجهها البلاد ورمز لها بـ "الصوت العاشر".
الصوت العاشر هي إستراتيجية إدارية لمناقشة الأمور، بحيث لو طرحت أي قضية للنقاش وكان هناك اجماع عليها من قبل الحضور فإن آخر من يبدي رأيه أو "الصوت الأخير" يعترض ويدافع عن رأيه بشراسة حتى لو كان مقتنعاً بما قاله من كان قبله.

يكمن جوهر الفكرة في تبيان مكامن الخلل والخروج من سيكولوجية الجماهير وثقافة القطيع والتي تسيطر على عقولنا وتكون هي الفيصل في اتخاذ الكثير من القرارات.
البشر في الغالب يغلب عليهم فكرة الجماعة أو الأكثرية، أو إذا شئنا سميناها ثقافة القطيع، كما أننا كبشر إقصائيين بطبعنا وهذا ما أدركته الكثير من الأمم والشعوب المتطورة والتي حاربت الإقصاء بإستراتجيات متعددة، أما في مجتمعاتنا العربية الإقصائية لم نتجاوز هذه العقبة أبداً.

في اليمن والجنوب وحضرموت وصلنا إلى مرحلة أكثر خطورة وجنوناً وتطرفاً، فلم نعد نرفض الآخر بل نخون صاحب الرأي الآخر والمعترض مهما كانت دوافعه أو مبرراته، وأصبح مستهدفاً في حياته وكل ما يملك.
لكي تكون وطنياً واعياً مثقفاً يجب أن تسمع ما يقوله الزعيم صاحب القوة أو شيخ القبيلة أو رجل المال أو من يمتلك السلاح. أصبحت النخب مطبلة تتبع مجموعة من الإقصائيين الشموليين الذي لا يقبلوا بالرأي الآخر.

في ما سبق طور الفكر الإقصائي المجنون شعارات من أجل إقصاء الخصوم، كان أبرزها "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وفي أماكن أخرى "لا صوت يعلو فوق صوت الحزب"، وأحياناً أخرى "لا صوت يعلو فوق صوت الحق"، والذي هو في الحقيقية رأي أمير الجماعة المتطرفة والتي اختزلت الحق في رأي فقهي أو تفسير شاذ لأحد الدعاة والذي سرعان ما يتم التراجع عنه مع أول اختبار حقيقي على أرض الواقع.

أما مع الجماعات السياسية وحتى التجارية التي لا تمتلك قوة قمعية فيكون مصير المعترض وصاحب الرأي المخالف التخوين وتشويه السمعة، وأحيانا الإقصاء والمحاربة المعنوية، والتي تجعل النخب تعيش حالة إرهاب فكري ورعب تحول أفضل العقول إلى شوية مطبلاتية.
في اليمن والجنوب وحضرموت كانت نتيجة الفكر الإقصائي المتطرف الذي لا يقبل النقد، كارثية، حروب متعددة وتصفيات جسدية وخلو البلد من خيرة رجالها لأن أفضل الرجال لن يقبلوا المشاركة في هذا العبث والعيش في وطن يتحكم فيه مجموعة من المجانين. وفي الأخير وحدة عبثية جعلت من اليمن سجناً كبيراً.

اليوم ونحن نعيش هذه المأساة، مازلنا نعيش في هذا المستنقع ومازلنا نعيش حالة الإرهاب الفكري، فإن كنت صاحب رأي فأنت مشاغب، وإن كانت لديك رؤية فأنت متفلسف، إذا أردت العيش فما عليك إلا أن تمدح وتبحث عن من يملك السلاح أو الشعبية وأغدق عليه المدح والتطبيل، حتى لو استعنت بالفوتوشوب لاستعراض منجزات الزعيم المخلص.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى