صاحب جدو

> عصام مريسي

> ملأ حياته بالبهجة والحيوية بعد مغادرة أبنائه له وانشغالهم بحياتهم الجديدة وأسرهم حتى أصبح كل حياته في كل مكان تتشابك أيديهما ويسير صاحب الجسد الصغير إلى جوار جده وهو يشعر بالفخر والنشوة وكلما اشتهى شيئاً طلبه حتى يلبي الجد ما يطلبه حفيده على وجه السرعة، وإذا مرّا بصاحب بضاعة حثّ جده على الشراء.
جدي أريد هذه اللعبة..

سرعان ما يحاول الجد إرضاء صغيره المدلل حتى لو كانت الحاجة التي يريدها موجودة عنده..
حاضر.. أيها الولد الصغير.

يسيران في طريق واحد كرفيقين يداهما تتشابكان وهما يتبادلان أطراف الحديث، وكلما قال الصغير صاحب جده عبارة سُرّ بها الجد وانفرجت شفتيه معلنة بهجتها، وانحنى يقبل رأس صغيره وهو يقول: سلمت يا ولدي.. ورعاك الله من ولد، حباك الله بالعقل والحكمة.
يتوجه الجد المحب وصاحبه الصغير "صاحب جده" نحو المنزل عائدين بعد أن أقفلا رحلتهما اليومية بعد أداء صلاة العصر وجولتهما في حديقة الحي والتنقل بين المحال التجارية في سوق المدينة. من بعيد يلمح الجد ولده الغائب يقف بالقرب من باب المنزل ولم يلمح إلى جواره حقيبة ملابسه التي اعتاد إحضارها في كل زيارة لقضاء الإجازة مع زوجته والبقاء مع صغيرهما الذي يتربى في كنف جده.

يقف الجد، تلعب برأسه الأفكار عن سبب حضور ولده بهذه الكيفية، رجليه لم تعد قادرة على دفعه نحو منزله، وكلما اقترب ضاق نفَسه وتصبب عرقاً وهو يشد قبضة يده على يد صغيره، وما إن يقترب من ولده حتى يقبل إليه يعانقه ويقبل رأسه، والجد ما زال واقفاً على وجه علامات الحيرة والذهول، ويبادر الابن العائد والده: أبي.. لماذا كل هذا الصمت؟ ما الذي يقلقك.

يرفع الجد بصره نحو ولده وعيناه تتحدث قبل لسانه: زياراتك على غير العادة.
بسرعة تندفع العبارات من فم الابن تقع كالرصاص على الجد الذي تعلقت كل جوارحه بحفيده:
أبي.. جئت لأصحب ولدي معي.. سيلتحق هذا العام بالمدرسة وحتى ترتاح من إزعاجه.
لم يستطع الجد الإجابة أو التعليق على حديث ولده، والطفل ملتصق بوالده مسرور بعودته، والأم تلملم أدوات طفلها، تحزمها في حقيبة صغيرة، يقف الابن يسلّم على والده ويودعه والجد كل بصره ينصرف نحو قرة عينه التي تنزع دون أن يملك القرار في رفض ما يدور حوله.

يغادر الوالدان المنزل برفقة صغيرهما الذي طالما اشتاقا إليه وهو برفقة جده، ويقبل الصغير نحو جده يقبل يديه: وداعاً جدي.. سوف أراك قريباً.
تنزلق دمعة من عيني الجد ويداه تمسح على رأس صغيره المسافر، وبصره يحدق النظر إلى وجه الصغير كي يحتفظ بصورته في ذاكرته، تتلاشى ملامح المسافرين من المكان لكن ظل الصبي وصوته المبهج يملأ المكان بالبهجة والفرح، وكلما سمع الجد صدى قهقهة الصبي انفرجت شفتيه ترسم ابتسامة عريضة ملونة بلون الطفولة والبراءة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى