قباني.. قصائد لا تستكين إلى المعتاد ومقاطع حذفت لاعتبارات رقابية (1-2)

> نادر رنتيسي

> عُرف الشاعر الراحل نزار قباني باهتمامه الشديد بالصورة النهائية التي تظهر عليها قصائده مغناة بأصوات كبار المطربين العرب، حيث كان يواكب مراحل إعداد الأغنية، ويصر على سماع "بروفتها" النهائية، مبديا ملاحظاته التي تستند إلى ذائقة موسيقية رفيعة.
وأكثر ما كان يحظى بمتابعة الشاعر الراحل أثناء إعداد الأغنية موسيقيا، رتق كلمات ومقاطع يضطر الملحن لحذفها أو تعديلها، إما لضرورة فنية، أو لاعتبارات رقابية يمارسها الموسيقي أو المطرب على القصيدة، خشية من محظورات اجتماعية أو دينية.

وتحفل قصائد قباني بمفردات لا تستكين إلى المعتاد، والمتوقع، وتذهب بعيدا في اجتراحات مجازية لمفردات تبدو عادية، وفي متناول الجميع، كما أنه يفرط في تطويع علامات مميزة في جسد المرأة ضمن سياقات نصوصه التي انشغلت بمفردة الحب، ومترادفاتها.
كانت قصيدة "أيظن" أول أغنية تلحن من أشعار قباني، ففي العام 1960 صاغ الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب كلمات الأغنية القصيرة، كاملة بلا أي حف أو تعديل، وكذلك مع أغنيات مثل "أسألك الرحيل"، و "ماذا أقول له؟".

تلك القصائد كانت "محايدة" في كلماتها، وخفيفة من جنوح الشعر، فضلا عن حنكة "الموسيقار" في تطويع الكلمات، وجعلها مستساغة للغناء، إلى جانب التوفيق في الاختيار الذي كان بتنسيب من قباني.
محمد الموجي امتلك الكثير أيضا من عبقرية عبدالوهاب في تقديم قصيدة "رسالة من تحت الماء" العام 1974 بصوت المطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ، باستثناء تحوير مفردة لتبدو القصيدة مناسبة للغناء بصوت مذكر، حيث استبدل مقطع "فأنا (عاشقة) من رأسي حتى قدمي" بـ "مفتون"، إلى جانب تبديل كلمة نافرة مثل "يجرجرني نحو الأعمق" بـ "يناديني".

اللقاء التالي بين الثلاثي "الموجي وحليم وقباني" كان أقل من عام في "قارئة الفنجان" التي تصبح لاحقا القصيدة الخالدة والأكثر قوة بين قصائد نزار المغناة، فمن المعروف أن العندليب الأسمر أصرّ على غناء القصيدة التي لمس فيها محاكاة لحياته، ودفعه هوسه بإنجازها في ذروة مرضه، حد أن قام بـ "حبس" الموجي في فندق حتى يتم لحنها.
بيد أن تلحين الأغنية استغرق وقتا أطول جراء "مكالمات ماراثونية" بين حليم ونزار، حيث كان الأخير يطالب بتعديل أساسي يطال المقطع الشهير من الجزء الأول من القصيدة، من "يا ولدي قد مات شهيدا من مات على دين المحبوب" إلى "فداء للمحبوب.

تبرير المطرب الراحل كان أنه قد يفهم الناس أنه إذا أحب امرأة يهودية فإنه سيموت على دينها، ولم تجد محاولات قباني لإقناع حليم المنهك بأعراض البلهارسيا في مراحلها الأخيرة، أن الدين هنا مجاز لهوى المحبوب وطقوسه.
لم تذهب فاتورة هاتف حليم البالغة نحو ألفي جنيه مصري سدى، هي محصلة المكالمات التي هاتف بها قباني طالبا التعديل أو الحذف، إلى جانب لقاء مباشر ضمهما وتم تصويره. أثمرت تلك "المفاوضات" عن حذف المقطع الثاني:

"فنجانك دنيا مرعبة وحياتك أسفار وحروب
ستحب كثيرا يا ولدي
وتموت كثيرا يا ولدي
وستعشق كل نساء الأرض وترجع كالملك المغلوب".

كما تم حذف سطر بدا زائدا، وغير موسيقي، في مقطع "حبيبة قلبك نائمة في قصر مرصود".

المطرب البحريني خالد الشيخ لحّن وغنى واحدة من أجمل قصائد قباني، وهي "عيناك"، وإن بتر مطلع الأغنية "عيناك كنهري أحزاني/ نهري موسيقى حملاني/ لوراء وراء الأزمان" فإنه أبقى على مفردة تبدو شديدة التصادم مع الذائقة العامة في بيت بخاتمة القصيدة يتساءل فيه الشاعر "ماذا أعطيك أجيبيني/ قلقي إلحادي غثيان" بيد أنه حذف المقطع الأكثر إشكالا "ماذا أعطيك سوى/ قدر يرقص في كف الشيطان". وكان أن حذف بيتا آخر في منتصف القصيدة بدا له حينها زائدا في وصف الحب بأنه "أحلى من زهرة جاردينيا/ في عتمة شعر إسباني" إلا أنه عاد وغناه في حفلاته وجلساته الغنائية.

مواطنة قباني المطربة أصالة نصري غنت، باستثناء شارتي مسلسل صلاح الدين ونزار قباني، قصيدة واحدة اختارها لها الشاعر الراحل بنفسه، و "زكّى" لها الموسيقار حلمي بكر لتلحينها، وهي لم تتعرض لتعديل يذكر سوى في سطر واحد بداية الأغنية في لازمتها "حطم أواني الزهر والمرايا" حيث تم حذف عبارة "وسق مشاعري كما تساق السبايا".
التجربة الأطول لقصائد قباني مع الغناء كانت/ وتكون مع المطرب العراقي كاظم الساهر الذي غنى ولحن له، والآخرين ما يقارب عشرين قصيدة، وهي مرحلة تنقسم لجزأين الأول في حياة قباني، والثاني بعد وفاته ربيع العام 1998.

كانت البداية مع قصيدة هادئة هي “اختاري” التي بدأ الساهر بتلحينها قبل شهرته الواسعة، حيث الأبيات الأولى منها في حفل خاص لطلبة المدارس في بغداد أول مرة نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ثم قدمها تاليا في حفلاته بداية التسعينيات مبتورة، قبل أن يطرحها ناجزة في ألبومه "سلامتك من الآه" العام 1994.. يتبع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى