نساء في ذاكرة التاريخ: 1-السيدة الفاضلة كلثوم عبدالعزيز 2-أ. شفيقة غلام معين الدين

> نجيب محمد يابلي

> ​حضرموت
ورد في الكتاب المرجعي «معالم تاريخ الجزيرة العربية» للراحل الكبير العلامة سعيد عوض باوزير (والد أمين باوزير أطال الله عمره ومتعه بالصحة) ص234: «تقع حضرموت إلى ساحل البحر العربي شرقي عدن واليمن والمقاطعات الجنوبية، ويحدها من الشرق سيحوت وبلاد المهرة، ومن الغرب خط يبتدئ شرق بير علي ويمتد في انحراف نحو الغرب إلى غرب وادي عرمة فشبوة فالعبر، ويحدها من الشمال الربع الخالي، ومن الجنوب بحر العرب.
تحكم حضرموت الآن سلطنتان هما السلطنة القطيعية والسلطنة الكثيرية، وينقسم الجزء الخاضع للقعيطي إلى خمس مقاطعات: 1 - لواء المكلا العاصمة. 2 - لواء الشحر. 3 - لواء حجر، وهذه الألوية الثلاثة في الساحل. أما ألوية الداخل: 4 - لواء دوعن. 5 - لواء شبام». وتفاصيل هاتين السلطنتين من الناحية الجغرافية والسكانية فقد وردت تفاصيلها في الصفحات: 234 حتى 238م.

كلثوم عبدالعزيز
كلثوم عبدالعزيز
1 - السيدة الفاضلة كلثوم عبدالعزيز

الميلاد والنشأة
يعتبر كتاب «نساء يشهد لهن التاريخ: السيدة الفاضلة كلثوم عبدالعزيز عبدالمجيد، واسم شهرتها كرسم عزيزة» لمؤلفته ابنتها أ.شفيقة غلام معين الدين (أرملة الراحل الكبير أ. سالم عبدالعزيز) كتابا مرجعياً في تراجم عدد من العائلات العريقة في حضرموت، ونقلت عراقتها إلى عدن وضم الكتاب المرجعي المذكور بين دفتيه 257 صفحة.
كلثوم عبدالعزيز عبدالمجيد الهندي واسم شهرتها (كرسم عزيزة) من مواليد 1909م في مدينة المكلا من أسرة متدينة، والدها عبدالعزيز عبدالمجيد الهندي الذي استقدمه السلطان غالب بن عوض القعيطي من حيدر أباد لتحمل مسؤولية تموين المواد الغذائية والإنشائية، ووالدتها السيدة مريم علي الجعيدي من وادي (عمد) بحضرموت الداخل (مقدف)، زوجها أ. غلام معين الدين المصور المشهور الذي جاء من حيدر أباد حاملاً معه فن التصوير والزخارف الإسلامية، وأصبح فيما بعد المصور الخاص للسلطان غالب والسلطان عمر والسلطان صالح، ونقل أ. غلام حرفة التصوير لزوجته كرسم عزيزة (كلثوم).

تلقت كلثوم عبدالعزيز (كرسم عزيزة) تعليمها على يد العلامة شيخ عوض الشاطري، وتعلمت على يديه الفقه والتوحيد والسيرة النبوية، وحفظت أجزاء من القران الكريم، ثم تلقت العلم من السيد ناصر بخيت جارهم في برع السدة.

كرسم عزيزة وحرفة الخياطة
تلقت كلثوم عبدالعزيز حرفة الخياطة على يد السيد عبدالله ناصر بخيت (الخياط المشهور)، والسيد رمضان الشاطري خياط في الجيش النظامي، وبذكائها أتقنت السيدة كلثوم خياطة ملابس النساء والأطفال، وحققت شهرة كبيرة، وعلّمت عدداً من النساء حرفة الخياطة في بيتها، منهن: بركون بن كوير، فطوم شاطرية، فاطمة الحريبي، عيشة مبارك، مريم وحدين، مريم الجعيدي.. وأخريات، وملأت شهرتها في الوسط النسوي في تريم وسيئون والشحر، وتواردت على بيتها البقش، ومن اللاتي ترددن على بيتها زوجة السلطان عوض بن صالح، وبيجم باشا بنت السلطان صالح، وزوجات الخبراء والأطباء الهنود، مثل د. مايمكر، وكبريا، وارندي، وزوجات الخبراء الأردنيين، ود. انكليكر، ود. طيب، وصايغ الذهب كاكو.

ومن المكلا حريم السلطان، ونساء آل الناخبي، وآل البطاطي، وآل باحسين، وآل باهارون، وآل الشيخ سعيد القدال، والسودانيات، وأل عيسى مسلم، وآل الضمانة، وآل باعشن، وآل بامطرف.. والقائمة طويلة (ص 18).

انجرامس يكرم الفاضلة كلثوم
عملت السيدة كلثوم عبدالعزيز بمدرسة البنات بالمكلا ومعها ابنتها بيبيا بناء على توجيه من الشيخ سعيد القدال القامة التربوية السودانية، وكانت أول من علم الفتاة الحضرمية التفصيل والخياطة والنسالة والتطريز بأنواعه، وأعمال الصوف (التريكو)، وكذا الطبخات المتنوعة.
اتسع صدر هذه السيدة الفاضلة للنساء في بيتها لتعليمهن دروساً دينية في كل المناسبات الدينية، وتسرد عليهم حكايات من التاريخ مثل سيرة سيف بن ذي يزن.

كما اتسع صدرها لتبني وكفالة أيتام وفقراء، وكانت دائماً ما تردد ما قاله الحبيب المصطفى: «أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار بأصبعيه صلى الله عليه وسلم».
شدت السيدة الفاضلة بأعمالها الخيرية اهتمام المستشار البريطاني المستر هار ولد انجرامس، وعرض عليها مكافأة مالية إلا أنها اعتذرت عن أعمال تقوم بها لوجه الله، ثم أعطاها شهادة تقديرية أودعت في ملفها بإدارة المعارف للدولة القعيطية، وهناك نسخ من الشهادة التقديرية في مكتب مستعمرة عدن وبريطانيا.

السلطان الكثيري يشيد بكلثوم في مجلس الدولة
ورد في الصفحة (122/ 123) من الكتاب أن السيد علي محمد همشري، سكرتير السلطنة الكثيرية (وهو من عدن) والمتزوج من السيدة منى غلام معين الدين ابنة السيدة الفاضلة كلثوم، أبلغ السلطان حسين الكثيري بأن عمته كلثوم راغبة في تبني طفلين من ملجأ سيئون، وذلك في العام 1953م، وأقامت لها زوجة السلطان الكثيري مأدبة سلطانية فاخرة تليق بمكانها الرفيع في أعمالها الجليلة.

ثم لبت السيدة كلثوم دعوة من أسرة الشيخ السيد أبوبكر بن شيخ الكاف، الذائع الصيت في حضرموت وشرق آسيا، وكان ذلك اليوم يوماً من أيام تاريخ الأسرتين الفاضلتين.

السيدة كلثوم تتلقى العلاج في حيدر أباد
تعرضت السيدة كلثوم لوعكة صحية وبدأت علاجها في المكلا، ثم غادرت إلى عدن؛ حيث تسكن ابنتها أم شوقي همشري، ومعها أنور غلام (ولدها)، الذي كان يدرس في ثانوية خورمكسر Secondary School، وبعد استفسار علي همشري (زوج ابنتها منى غلام) عن إمكانية علاجها وتحدد أمامها خياران: بريطانيا أو الهند، فاختارت الهند، وقالت: سأذهب عند صديقتي بنت السلطان صالح القعيطي خوانق الجميع.

عادت السيدة الفاضلة كلثوم عبدالعزيز (كرسم عزيزة) من الهند إلى المكلا، وفاضت روحها الطاهرة عام 1959م، وخلفت رصيداً دنيويا وأخرويا كبيرا، وخلقت وراءها ذرية صالحة من (6) أبناء؛ الذكور واحد (أنور غلام)، والإناث خمس: فاطمة غلام التي تولت زواج سالم عبدالعزيز وشقيقة غلام. 2 - نبيهة غلام. 3 - بيبا غلام. 4 - منى غلام. 5 - شفيقة غلام (مؤلفة الكتاب وأرملة أ. سالم محمد عبدالعزيز).

أ. شفيقة غلام
أ. شفيقة غلام
2 - أ. شفيقة غلام معين الدين

الميلاد والنشأة
أ. شفيقة غلام معين الدين، ابنة أ. كلثوم عبدالعزيز، وزوجة أ.الفاضل ومربي الأجيال سالم محمد عبدالعزيز من مواليد المكلا (عروس البحر العربي) عام 1943م.
أوردت أ. شقيقة غلام في مدخل سيرتها الذاتية العطرة (ص24): «تتلمذت على أيدي أمينة توختني بالحب والوفاء والعطاء والإبداع ابتداء من أمي العزيزة بنت عبدالعزيز كلثوم رحمها الله، وأخواتي الفاضلات ومدرساتي القديرات». أردفت أ. شفيقة: «متزوجة من ابن خالي أ. سالم محمد عبدالعزيز الشاعر الأديب عاشق اللغتين العربية والإنجليزية، وصاحب ديوان «200 كوبليه مقفلة» 200 Closed Couplets بالإنجليزية، وديوان «والعشق أيضا يمانٍ»، وديوان «قُصد حضرمية»، ولدي ولدان وبنتان، عمر وعلي ونادية ونجوى، وكلهم خريجو جامعات الهند وعدن».

تلقت أ. شفيقة التعليم الأساسي في المكلا، وحصلت على دبلوم دار المعلمين في مدينة المكلا (1965/ 1966)، ودبلوم تخصصي في التربية النسوية والخياطة والطبخ والتطريز من دولة الكويت الشقيق عام 1978م.

التدريس بين عدن والمكلا
انخرطت أ. شفيقة في سلك التدريس وبداية مشوارها كان في مدارس المكلا عام 1963م، ثم في مدارس عدن (المعلا) في الابتدائية سنة أولى ابتدائي، ثم الإعدادية ثم الثانوية بعد التخصص في دولة الكويت، ورفدت التدريس بـ 38 عاما من عمرها، وأعطت طلابها وطالباتها كل ما عندها من خبرة وفنون.

أ. شفيقة في سجل التقدير
أ. شفيقة غلام معين الدين بالتعبير العامي «طالعة لأمها»، لأنها أخذت من أمها كل شيء، وكسبتا رضا الله وقلوب عباده، وأخذت نصيبها من التقدير، حيث حصلت على «شهادة الأم المثالية» على مستوى مدينة عدن عام 1984م .
حصلت أ. شفيقة على شهادة المدرسة المثالية في عيد المعلم عام 1989م.

حصلت أ. شفيقة على شهادات متنوعة، فخرية وتقديرية من وزارة التربية والتعليم م/ عدن، ومن بعض المؤسسات في الجمهورية، ولا يزال تواصلها قائما مع طالباتها بالعطاء والاستشارة وتقديم المساعدة لهن وخاصة في الطبخات والموديلات، ألم أقل لكم «إنها طالعة لأمها»؟.
لا تزال أ. شفيقة متشبثة بأسنانها وأظافرها بسلسلة الوصايا التي سطرتها لها ولأخواتها والدتها الراحلة الجليلة كلثوم عبدالعزيز عبدالمجيد، خاصة في العامين الأخيرين من عمرها رحمها الله، ومنها «يا بنيتي كوني مثلي في كل شيء، وإذا تعلمتي وأجدتي في عملك فعليك بالإتقان، بالإتقان تكونين متميزة، وابحثي عن الأفضل دائماً دون كلل».

أ. شفيقة تدخل التاريخ بمؤلفها
تفردت أ. شفيقة غلام معين الدين عن زميلاتها في مجال مهنية التدريس في تأليفها لهذا الكتاب القيم عن والدتها «كلثوم عبدالعزيز» الذي فصلت فيه كل شاردة وواردة في حياة أمها؛ حيث وثقت للأسرة كل تفاصيل الفرد في الأسرة بالاسم واسم القرين أو القرينة وأسماء الأبناء والبنات والتخصصات، وكل ارتباطات والدتها بعد بقائها؛ حيث أوردت أسماء عدد كبير منهن وأنا شخصيا عرفت معلومات لم تكن متوفرة عندي من سابق، وثبت عن الكتاب أن عدن وحضرموت تربطهما وشائج القربى والثقافة والفن.

من ضمن الجهد والجهيد للأستاذة شفيقة أنها توجهت إلى مدينة المكلا لتجمع كل البيانات والصور عن تراث والدتها وأعمال زوجها الراحل الكبير أ. سالم محمد عبدالعزيز (المولود في المكلا 1939م والمتوفى في عدن يوم 3 يوليو 2005م)، التي كتبها في مرحلة الدراسة، وما بعد ذلك، وأعانها في هذه المهمة أ. أحمد عوض باوزير.

سلامات أم عمر
تلقيت مكالمة هاتفية من أ.شفيقة في الأسبوع الماضي وأبلغتي بأنها بعثت بنسخة لي من كتابها مع صديقتها أ. صباح جعفر، ولم تتمكن من زيارتي لتسليمي نسخة من كتابها لأنها عادت من توها من ماليزيا؛ حيث خضعت هناك لعملية جراحة قلب.
الحمد لله على الصحة والسلامة يا أم عمر، وعمراً مديداً مقروناً بالصحة والسعادة مع الأولاد والأحفاد.

لا يفوتنا الإشارة إلى أ. شفيقة غلام معين الدين من مناضلات حرب التحرير إلا أن ثورة الوالدة كلثوم عبدالعزيز كانت هي الأقوى بكل المقاييس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى