الشرف والسعادة شيء وراء الغنى والفقر

> حسين فروي

> أنا إن كنت حاسداً أحداً على نعمة، فإني أحسد الفقير على فقره قبل أن أحسد الغني على غناه!، لو أن للأوهام سلطاناً على النفوس لما انكسر الفقراء بين أيدي الأغنياء..
أنا هنا لا أغبط الغني إلاّ في موطن واحد، إن رايته يشبع جائعاً ويواسي فقيراً ويعود بالفعل من ماله على اليتيم الذي سلبه الدهر أباه، والأرملة التي فجعها القدر في عائلها، ويمسح بيده دمعه بائس ومحزون، ثم أرثي له بعد ذلك في جميع مواطنه الأخرى، أرثي له إن رأيته يتربص وقوع الضائقة بالفقر ليدخل عليه مدخل الشيطان، وأرثي له إن رأيته يعتقد أن المال هو منتهى الكمال الإنساني، فلا يطمع في فضيلة ولا يحاسب نفسه على رذيلة، وأرثي له وأبكي على عقله إن ماشى الخيلاء، وطاول بعنقه السماء، ويسلم بإيحاء الطرف وإشارة الكف، وأرحمه الرحمة كلها إن عاش شحيحاً مقتراً على نفسه وعياله بغيضاً إلى قومه، وأهله ينفقون عليه حياته ويستبطئون ساعة حتفه.

أما الفقير فهو أسعد الناس عيشاً وأروحهم بالاً، إلاّ إذا كان جاهلاً مخدوعاً يظن أن الغني أسعد منه حضاً وأرغد عيشاً وأثلج صدراً، فيحسده على النعمة التي أصبغها الله عليه، ويجلس في ركن بيته جلسة الكئيب المحزون يصعد الزفرة تلو الزفرة، ويرسل العبرة تلو العبرة، ولولا جهله وبلاهة عقله لعلم أن رُبّ صاحب القصر يتمنى كوخ الفقير وعيشه، لو عامل الفقراء بخلاء الأغنياء بما يجب أن يعاملوا به لوجدوا أنفسهم في وحشة من أنفسهم، وليشعروا أن بذرات الذهب التي يكتنزونها إنما هي أساور ملتفة على أقدامهم وأغلال التفّت حول أعناقهم، وليعملوا أن الشرف في كمال الأدب لا في رنين الذهب، وفي حلائل الأعمال، لا في أحمال المال، فليعظم الناس الكرماء ويحتقروا الأغنياء البخلاء، وليعلموا أن الشرف شيء وراء الغنى والفقر، وأن السعادة أمر وراء الكوخ والقصر.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى