عدن أيقونة الجنوب

> د. هشام محسن السقاف

> ما جعل المجلس الانتقالي أن يمتاز عن الشرعية هو مشروعه الوطني الذي يتبلور يوما بعد يوم في محافظات الجنوب المحررة رغم الصعوبات.

ونعتقد أن هذا المشروع يتمثل في استعادة (مدينية) عدن و(مدنيتها) بإعادة الألق الحضاري المسلوب منها؛ منذ أن ارتضى شريك الوحدة الجنوبي أن تكون صنعاء (العاصمة) وأضاف البيض إليها لفظة (التاريخية) دون أن يفتش صفحة من صفحات التاريخ الذي يرجح كفة المدينة الأسطورة عدن منذ سفر (حزقيال) وحتى انسيابية مطارها مع نقطة الصفر (البحر) ودون حاجة لمطبات الهواء المفزعة فوق صنعاء، ودون أن يفسر ذلك بالحط من قدر المدينة صنعاء وأهلها الطيبين.

ما جرى لعدن كان كارثيا بعد حرب الاحتلال الأولى عام 1994م، ولازلت أسمع من مكاني في موسكو صوت عمر الجاوي يوم 7/7/1994م، وهو يصرح لوكالات الأنباء: إن عدن تتعرض للاجتياح والنهب!
تمت عسكرة عروس البحار، وانتشرت عشرات الألوية العسكرية من الضالع إلى عدن بواقع 1 : 1 والواحد الجنوبي مدني بعد القضاء على جيش الجنوب.

كان مشروع الوحدة يذبح من الوريد إلى الوريد بسكين الثأر لحربي 1972 و1979م، فالفقه السياسي للإمامة الزيدية يقوم، منذ الدولة القاسمية، على (فتح) التهائم جنوب (ذمار) حتى وإن كان الإمام الفاتح لعدن في 7/7 قحطانيا.
ويقينا أن شعب الجنوب لن يرضخ للاحتلال كما بدا الأمر منذ الوهلة الأولى، وكانت "الأيام" في طليعة من حمل هذا الحق على عاتقه، وكانت شوكة في حلق نظام صنعاء دفعت ثمنا لمواقفها باهضا كما يعرف الجميع.

إن أسوأ ما قام به نظام صنعاء في عدن هو سياسة التجهيل وتحطيم مقومات التعليم وترك أجيال بكاملها على أرصفة البطالة دون أن يعني ذلك نجاح الاحتلال في إطفاء جذوة الروح الوطنية في صدور شباب الجنوب، وقد برهنت ملاحم حرب التحرير في عام 2015م على ذلك.

لهذا تنتصب هذه المهمة أمام المجلس الانتقالي والقوى الجنوبية الأخرى، من خلال ردم هوة التجهيل عن طريق تأسيس وتفعيل (المجلس الوطني الأعلى للتربية والثقافة والعلوم) يضطلع بتغيير المناهج الدراسية كخطوة أولى في مجال الإنسانيات كالتربية الوطنية والتاريخ والجغرافيا، دون إغفال المواد التطبيقية والعلمية بحيث تواكب متغيرات العصر، وبالاستئناس بالأشقاء في المنطقة الذين قطعوا شوطا لا يستهان به في هذا المجال.

وسوف ينفض سامر هذه المجلس دون نتائج تذكر إذا لم نحسن اختيار أعضاء المجلس من الكفاءات العلمية والتربوية وأهل الخبرة، وما أكثرهم في عدن وحضرموت وغيرها من مناطق الجنوب، فلسنا بحاجة لقوالب إنشائية وشعارات رنانة نحشي بها ذواكر النشء بقدر ما نحتاج إلى إعادة تشكيل تربوية وسيكلوجية لعقول أبنائنا عن طريق المعارف والحقائق العلمية التي تؤهله بعد عقدين من الزمان أن يتصرف سويا وبعقلانية ووعي في إدارة وطنه بكفاءة العلم والفكر معا.

نعرف أن ذلك يحتاج لموارد ضخمة وجهود جبارة تبدأ بالمعلم قبل التلميذ، ولكن لا مناص من ذلك إذا أردنا الخروج من النفق المظلم، كما فعلت ماليزيا وسنغافورة وسواهما.
إن على الانتقالي مهاما جساما وتحديات حقيقة ومؤامرات حثيثية من قوى عديدة تحاول أن تبعده عن أهدافه الوطنية التي وجد من أجلها وعلى رأسها إعادة الدولة الضائعة، وعليه أن يمضي - رغم كل ذلك - لصياغة هذا المشروع انطلاقا من ثقته بالمستقبل.

إن ترسيخ مفهوم (مدينية) و(مدنية) عدن في سياق الخطاب الفكري والسلوك الإداري لسيرورة تحركاته بين الجماهير وإنجاح هذه الثورة التي يصوغها المجلس على المدى البعيد (التربية والتعليم) أو المتطلبات الآنية الملحة ومنها نزع السلاح من أيدي العابثين والبلاطجة وأوكار الجريمة والإرهاب وتحريم وتجريم حمله في عدن أولا كعاصمة وحاضرة للجنوب ثم في بقية المحافظات.

إن هذه التركة هي نتاج ممنهج على مدى ثلاثة عقود من الزمن الصعب، والخروج من أوزارها لن يكون بضربة عصا كما فعل موسى عليه السلام، ولكنها جهد جماعي نتشارك فيه ونؤديه جميعا إن أردنا - حقا - دولة الجنوب المدنية الحضارية التي تنبذ العنف بكل أشكاله وتمقت الطائفية والمناطقية والجهوية وما تفرزه من أمراض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى