معركة شعرية بين المتنبي وأبي فراس الحمداني.. انتهت ضربة بالدواة وألفي دينار !!

> "الأيام" عن "كنوز اللغة العربية":

>  المتنبي هو الاسم الأكثر لمعاناً في سماء الشعر العربي لكنه تلقى ضربات أدبية موجعة وانتقادات شعرية لاذعة من الشاعر الأمير أبي فراس الحمداني، كانت هذه المعركة الأدبية نتيجتها، حيث نقل أحداثها صاحب كتاب (الصبح المنبي عن حيثية المتنبي) قال: قال ابن الدهان في المآخذ الكندية من المعاني الطائية: إنه قال أبو فراس لسيف الدولة: إن هذا المتمشدق كثير الإدلال عليك، وأنت تعطيه كل سنة ثلاث آلاف دينار، عن ثلاث قصائد، ويمكن أن تفرق مائتي دينار على عشرين شاعراً يأتون بما هو خير من شعره، فتأثر سيف الدولة من هذا الكلام، وعمل فيه، وكان المتنبي غائباً، وبلغته القصة فدخل على سيف الدولة، وأنشد:
ألا ما لسيفِ الدولةِ اليوم عاتبا
فَداه الورى أمضَى السيوف مَضاربا
ومالي إذا ما اشتقتُ أبصرتُ دونَه
تنائفَ لا أشتاقُهَا وسباسِبا
وقد كان يُدْني مَجْلسي من سمائه
أحادِثُ فيها بدرَها والكواكبا
حنانَيْك مسئولا ولبّيك داعياً
وحسبيَ موهوباً وحسبُكَ واهباً
أهذا جزاءُ الصدقِ إن كنتُ صادقاً
أهذا جزاء الكذْب إنْ كنتُ كاذبا
وإن كان ذنبي كلّ ذنب فإنه
محا الذَّنب كُلَّ المحو من جاء تائبا
فأطرق سيف الدولة ولم ينظر إليه كعادته، فخرج المتنبي من عنده متغيراً، وحضر أبو فراس وجماعة من الشعراء فبالغوا في الوقيعة في حق المتنبي، وانقطع يعمل القصيدة التي أولها:
واحر قلباهُ مّمن قلبه شَبِمُ
ومَنْ بجسمي وحاليِ عنده سَقَمُ
وجاء وأنشدها، وجعل يتظلم فيها من التقصير في حقه كقوله:
مالي أكتَّمُ حُبَّا قدْ برى جَسدَي
وتدَّعى حبّ سيف الدّولة الأممِ
إن كان يجمعنا حُبُ لغُرَّته
فليت أنَّا بقدر الحبّ نَقتسمُ
قد زرتُهُ وسيوفُ الهندِ مُغْمَدَةُ
وقد نظرتُ إليه والسيوف دَمُ
فهم جماعة بقتله في حضرة سيف الدولة؛ لشدة إدلاله وإعراض سيف الدولة عنه، فلما وصل في إنشاده إلى قوله:
يا أعدلَ الناسِ إلاّ في معاملتي
فيكَ الخَصامُ وأنتَ الخَصْم والحَكمُ
فقال أبو فراس: مسخت قول دعبل وادعيته وهو:
ولست أرجو انتصافاً منك ما ذَرَفَتْ
عيني دموعاً وأنتَ الخصمُ والحكمُ
فقال المتنبي:
أعيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً
أن تحَسَب الشحمَ فيمنْ شحمُه وَرَمُ
فعلم أبو فراس أنه يعنيه؛ فقال: ومن أنت يا دعي كندة حتى تأخذ أعراض أهل الأمير في مجلسه؟ فاستمر المتنبي في إنشاده ولم يرد إلى أن قال:
سيعلُم الجمعُ ممن ضمَّ مجلسُنا
بأنني خيرُ من تسعى به قَدَمُ
أنَا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعتْ كلماتي مَن به صمَمُ
فزاد ذلك غيظاً في أبي فراس، وقال: سرقت هذا من عمرو بن عروة بن العبد في قوله:
أوضحتُ من طُرُق الآداب ما اشتكلتْ
دهراً وأظهرتُ إغرابا وإبداعا
حتى فتحتُ بإعجاز خُصِصْتُ به
للعُمْي والصَّمّ أبْصاراً وأسْماعا
ولما وصل إلى قوله:
الخيلُ والليلُ والبيْداء تعرفني
والحرب والضرب والقرطاسُ والقلمُ
قال أبو فراس: وما أبقيت للأمير، إذا وصفت نفسك بالشجاعة والفصاحة، والرياسة والسماحة، تمدح نفسك بما سرقته من كلام غيرك وتأخذ جوائز الأمير؟ أما سرقت هذا من قول الهيثم بن الأسود النَّخَعي الكُوفّي المعروف بابن العريان العثماني، وهو:
أعاذلتني كم مَهمة قد قطعتُهُ
أليفَ وُحوش ساكناً غيرَ هائبِ
أنا ابن الفلا والطعنِ والضرب والسُّرَى
وجُرْد المذاكي والقَنا والقواضَبِ
حليمُ وَقورُ في البوادي وهيبتي
لها في قلب الناس بطشُ الكتائبِ
فقال المتنبي:
وما انتفاعُ أخيِ الدُّنيا بناظره
إذا استوتْ عندَه الأنوارُ والظُّلَمُ
قال أبو فراس: وسرقت هذا من مَعْقل العِجْلي، وهو:
إذا لم أُميَّز بين نورٍ وظُلْمة
بعينيَّ فالعيَنان زُورُ وباطِلُ
ولمحمد بن أحمد بن أبي مرة المكي مثله، وهو:
إذا المرءُ لم يدركْ بعينيه ما يُرَى
فما الفرق بين العُمْى والبُصَرَاء
وغضبَ سيف الدولة من كثرة مناقشته في هذه القصيدة، وكثرة دعاويه فيها، وضربه بالدواة التي بين يديه، فقال المتنبي في الحال:
إن كان سَركُمُ ما قال حاسدُنا
فما لجرْحٍ إذا أرضاكُمُ ألَمُ
فقال أبو فراس: أخذت هذا من قول بشار:
إذا رضيتُمْ بأن نُجْفَي وسَرَّكُمُ
قَولُ الوُشاةِ فلا شَكْوَى ولا ضَجَر
ومثله لابن الرومي وهو:
إذا ما الفجائُع أكسبتني
رضاك فما الدهرُ بالفاجع
فلم يلتفت سيف الدولة إلى ما قاله أبو فراس، وأعجبه بيت المتنبي، ورضي، عنه في الحال، وأدناه إليه، وقَبَّل رأسه، وأجازه بألف دينار، ثم أردفهُ بألف أخرى، فقال المتنبي:
جاءْت دنانيرُك مختومةً
عاجلةً ألفاً على ألْفِ
أشْبَهها فعلُكَ في فَيْلَق
قلبتَهُ صفاًّ على صَفَّ​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى