علي ناصر محمد: العامل الرئيس في أحداث يناير 86م هو الموقف من الوحدة مع الشمال

> حاوره/ جمال شنيتر

> دولة اليمن الديمقراطية تجربة نعتز بها لأنها حققت إيجابيات في كافة المجالات
طرفا حرب 94 حاولا استقطابي بعد أن اتفاقا من قبل على إخراجي من اليمن كشرط للوحدة
الجنوب قضية عادلة لم تجد الحل والنظام اليمني يلعب على خلافات الجنوبيين

قال الرئيس الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمد، إن الجنوب قضية عادلة لم تجد الحل، وإن النظام اليمني راهن ويراهن على الخلافات الجنوبية في تعامله مع قضيتهم ومطالب شعب الجنوب المشروعة.

وكشف الرئيس ناصر، في حوار مع "إيندبندنت عربية"، أن الموقف من الوحدة مع الشمال كان سبباً لأحداث يناير 86م، وتحدث في هذا الإطار عن مواقف جمة من أسرار هذا الصراع وما حلقه من ترتيبات في الجنوب مرورا بالوحدة مع الشمال وحرب اجتياح الجنوب العام 94م وصولا إلى انطلاق الحراك السلمي ثم الوضع الذي وصلت إلى اليمن اليوم من حرب وتحالفات متعددة ومصير مايزال مجهولاً.

أحداثٌ وليست حرباً
كانت أحداث يناير العام 1986، أكثر المحطات مأساوية في تاريخ اليمن الجنوبي، حينما نشبت مواجهات مسلّحة بين أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم، استمرّت عدة أيام، وانتهت بمغادرة مجموعة الرئيس ناصر عدن.

يشدّد ناصر على ضرورة التوصيف الدقيق لما حدث في يناير قبل الولوج في تفاصيل تلك الذكرى، قائلاً: "إنها ليست حرباً، وما حدث بعدن في ذلك التاريخ من العام 1986 تدخّل في إطار الأحداث التي لها مثيل في اليمن وبلدان العالم الثالث عموماً، التي تؤدي إليها مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، والاختلاف في الرؤى والسياسات بين عناصر الحكم، وعدم وجود تقاليد ديمقراطية، ولهذا من الأصح أن نسميها (أحداث 13 يناير)، واصطلح عليها هكذا منذ البداية، وهي امتدادٌ لأحداث مرّ بها اليمن منذ الاستقلال عام 1967 بين أجنحة الحكم في الجبهة القومية، ومن ثمّ الحزب الاشتراكي اليمني، بدءاً باستقالة الرئيس قحطان الشعبي من السلطة العام 1969، مروراً بإقصاء ومقتل الرئيس سالم رُبيّع علي العام 1978، بعد مقتل الرئيسين الحمدي والغشمي في الشمال".

يناير والموقف من الوحدة
يربط الرئيس ناصر بين أحداث يناير والموقف من الوحدة اليمنية، مشيراً إلى أنّ قضية الوحدة "كان لها دورٌ مؤثرٌ في نشوب أحداث يناير، إضافة إلى السياستين الداخلية والخارجية، وتندرج في ذلك استقالة عبد الفتاح إسماعيل في أبريل 1980 عقب حرب فبراير 1979 بين الشمال والجنوب، التي هي امتدادٌ لحرب عام 1972، وأيضاً بسبب قضية الموقف من الوحدة، وحروب المنطقة الوسطى التي استمرّت أكثر من 12 عاماً أيضاً تندرج ضمن المضمون نفسه".

ويُسهب مفصلاً تلك المسألة قائلاً: "العامل الرئيس في أحداث يناير هو الموقف من الوحدة اليمنية؛ بل وطبيعة العلاقات بين دولتي اليمن، والحروب التي دارت بينهما في 1972 و1979، وحروب المناطق الوسطى وحرب الوحدة والانفصال 1994، والحرب الأخيرة عام 2015، وليس حول الوحدة بحد ذاتها، من حيث إنها هدف عظيم، ومطلب محق للشعب اليمني في الجنوب والشمال، بل حول طريقة تحقيقها، بين مَنْ يرى تحقيقها بالطرق السلمية، ومَنْ يرى بقوة السلاح وعبر الحرب.

الاختلاف نفسه كان موجوداً لدى أجنحة السلطة والنخب في الشمال، لكن بعد صراعات وحروب وتجارب مريرة على مستوى الجنوب والشمال وبينهما راح ضحيتها الآلاف من خيرة أبناء الوطن شمالاً وجنوباً بمن فيهم الرؤساء: إبراهيم الحمدي، وأحمد الغشمي، وسالم رُبيّع علي، لكن في الأخير كان لا بدّ من الوصول إلى قناعة لدى الجميع بالاحتكام إلى الحوار، بدلاً من لغة السلاح من أجل الوصول إلى الوحدة اليمنية عام 1990.

ومع الأسف أن البعض في القيادة كان يعارض تحقيق الوحدة بالطرق السلمية، ويصر على إسقاط النظام في صنعاء برؤية برنامج الحزب الاشتراكي اليمني، الذي كان يتنافى مع دستور دولة الوحدة، الذي اُتفق عليه 1981 بعد حوار طويل، وكان يمثل قواسم مشتركة بين النظامين، وكذلك كان هناك في الشمال مَنْ يريد تحقيق الوحدة بالقوة وإسقاط النظام في عدن".

سألته: إذن لماذا أخذت أحداث 13 يناير كل هذا البعد من دون بقية كل الأحداث والصراعات في الجنوب، هل بسبب كثرة عدد الضحايا؟!، قال: "توجد مبالغة كبيرة في تضخيم أحداث يناير، وفي أعداد ضحاياها من الطرفين، وكان لديّ الشجاعة بأن أعلنت حينها بأننا نتحمّل مسئوليتها جميعاً، وللمرة الأولى يجب أن نعترف بأن العدد بعد التدقيق أقل بكثير جداً من الأرقام التي أعلنها كل طرف، علماً أن مقتل شخص واحد يعد خسارة ومصدر ألم لنا جميعاً.

طبعاً، كانت أرقاماً وهمية، حاول كل طرف أن يبالغ في الأعداد، لكسب التعاطف والتعويضات التي تُدفع لأسر الشهداء، كما أنّ القوى المعادية للتجربة في الجنوب على المستويات: المحلية والإقليمية والدولية، كان لها مصلحة في تضخيم الأحداث وأعداد الضحايا للتشهير بالتجربة في اليمن، مع أنّ الحروب بعد 1986 خلّفت ضحايا كثيرة، وفي شمال الوطن أيضاً جرت صراعات وحروب أدّت إلى الآلاف من الضحايا بعد ثورة 26 سبتمبر بين الملكيين والجمهوريين، وغيرها من الصراعات والحروب.

وما يحدث اليوم في اليمن أكثر بكثير من أحداث يناير، وأدّى إلى ضياع الوطن والدولة والأمن والاستقرار وتشريد الملايين في أصقاع الأرض، لكن هناك من يريد التركيز على أحداث يناير في الجنوب من دون غيرها مما جرى في اليمن شمالاً وجنوباً، لأهداف معروفة لا تخفى على أحد، ويستدعيها في كل وقت بمناسبة ومن دون مناسبة، لكن الشعوب التي تقف عند الماضي فقط، ولا تستفيد من دروسه لا تستطيع التفكير في تغيير الواقع أو حتى في المستقبل".

صراع الوحدة واتفاق القاهرة
ويلفت الرئيس ناصر إلى أنّ الصراع من أجل الوحدة اليمنية بدأ منذ وقت مبكر، وتحديداً في العام 1968، ويشرح ذلك بالقول: "كانت البداية في فترة حكم الرئيس قحطان الشعبي (أول رئيس للجنوب بعد الاستقلال)، عندما طالب البعض في صنعاء عبر الإذاعة بتحقيق الوحدة. مثل هذا العمل غير المدروس والارتجالي لم يكن له علاقة بالوحدة، أو بنيات صادقة لتحقيقها وتحقيق حلم اليمنيين في الوحدة، بقدر ما كان صادراً عن مواقف متطرفة لا تخدم حينها إلا أعداء الوحدة والنظام في عدن.

وكان ردّ الرئيس قحطان إننا نرحب بالوحدة اليوم قبل الغد، لكن لابدّ من تهيئة الظروف، وحدد عشر نقاط لتحقيقها، كان الحديث عن الوحدة في عدن وصنعاء يجري عبر الإعلام، ما كان يصعّد من التوترات من دون أن يحدث لقاء بين المسؤولين في الدولتين لمناقشة أسس تحقيق هذه الوحدة".

- ألم يكن بالإمكان تفادي كل ذلك الصراع والحروب لو جرت الوحدة مباشرة بعد استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967؟، يقول: "أتذكر أنني كنت وفيصل عبد اللطيف الشعبي ومحمد أحمد البيشي (من القياديين البارزين في الجبهة القومية) في لقاء مع القاضي عبد الرحمن الأرياني نهاية 1967 في منزله بالقاهرة، حينها لم يكن رئيساً، لكنه كان يعدُّ من القيادات التاريخية لثورة 1948 وحركة الأحرار والنضال ضد الإمامة، ومن القيادات البارزة في الصف الجمهوري.

كانت الثورة في الجنوب على أبواب النصر في عدن، ونريد معرفة رأي الأخوة في الشمال حول الموقف من استقلال الجنوب وقيام الدولة، لهذا سأل فيصل القاضي الأرياني: ما موقفكم من قضية تحقيق الوحدة، خصوصاً أن الجنوب على أبواب الاستقلال؟

فكان رد القاضي الأرياني: "لا تستعجلوا، نحن نريد أن تكون عدن عمقاً للنظام في الشمال"، الذي كان يواجه حينها حرباً مع الملكيين، وكانوا على أبواب عاصمتها صنعاء. وبعد أن أصبح الأرياني رئيساً للنظام الجمهوري في الـ 5 من نوفمبر 1967 أرسل وفداً برئاسة حسن مكي لتهنئة الرئيس قحطان الشعبي بالاستقلال، وقيام الدولة في الجنوب، وهذا اعتراف منه حينها بأنهم ليسوا متعجلين في قضية الوحدة.

لكن، في ما بعد اُستخدمت الوحدة كحصان طروادة لإسقاط النظام في عدن، وجيلنا يذكر بيانات وزير خارجيتهم آنذاك، يحيى جغمان، ما كان يهيئ أرضية للتوتر وقرع طبول الحرب أكثر مما يخلق فرصاً وأرضية صالحة للحوار والبحث في أسس سليمة لتحقيق الوحدة، واستمرّ التوتر بين الشمال والجنوب، ما أدّى إلى حرب عام 1972 عندما طالب النظام في صنعاء بتحقيق الوحدة سلماً أو حرباً، وكان هذا أيضاً عبر الإعلام.

وأتذكر أننا أوقفنا تلك الحرب، بعد وساطة جامعة الدول العربية، عبر مكالمة هاتفية جرت بيني ومحسن العيني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية في صنعاء، في أثناء وجود وفدها في مكتبي بعدن، واتفقنا على إيقاف إطلاق النار، واللقاء في صنعاء أو عدن، بحضور وفد الجامعة العربية، لكن الأخوة في صنعاء فضّلوا أن يكون اللقاء بالقاهرة ورحبنا بذلك.

واستقبلت جامعة الدول العربية وفدَين من الشمال والجنوب برئاستي ومحسن العيني، وأدّت المباحثات التي جرت بيننا إلى التوصل إلى اتفاقية الوحدة التي عُرِفت منذ ذلك التاريخ باتفاقية القاهرة 1972، التي أصبحت الأساس لجميع الاتفاقيات اللاحقة بما في ذلك تحقيق الوحدة في مايو 1990".

اتفاق الكويت.. لم ينفذ
يأسف الرئيس ناصر أنّ الصراع بين الشمال والجنوب لم يقف عند ذلك الحد، بل نشبت حربٌ جديدة بين الشطرين عام 1979، تمخّض عنها توقيع اتفاق آخر للوحدة في الكويت بين الرئيسين عبد الفتاح إسماعيل وعلي عبد الله صالح، لكنه لم ينفذ.

ويتذكّر ناصر هنا دوره في بقية محطات تحقيق الوحدة قائلاً: "توجهتُ إلى صنعاء في نهاية 1979 نائباً للرئيس حينها، والتقيت القيادة برئاسة علي عبد الله صالح، وتحدّثت معه شخصياً حول إمكانية تحقيق الوحدة، وسألته: هل أنتم جاهزون الآن لتحقيق الوحدة خلال ستة أشهر كما نصّ اتفاق الكويت؟! فقال صالح: لا، إذا وقعنا الاتفاق في هذا الطابق الذي نجلس فيه، فسيبدأ القتال من الطابق الأسفل، فتأكّد لي أنه لم يكن جاداً بالوحدة آنذاك، وأكدنا حينها أنه يجب أن لا نكذب على الشعب بتحديد موعد محدد للوحدة، وتركنا موضوع تحقيقها للظروف المواتية، وبدأنا باتخاذ خطوات عملية بوقف الحرب بين الشمال والجنوب، وإيقاف العمليات في المنطقة الوسطى، التي كانت تقودها الجبهة الوطنية ضد نظام الرئيس صالح، واتفقنا على إنجاز دستور دولة الوحدة، وكلفت لجنة برئاسة محمد الفسيل وعمر الجاوي وغيرهما لإنجاز دستور الوحدة، وبعد ذلك اتفقنا على خطوات توحيد مناهج التعليم في التاريخ والجغرافيا والمشروعات الاقتصادية المشتركة.

وبعد زيارة الرئيس صالح لعدن في 30 نوفمبر عام 1981 اتفقنا على قيام المجلس اليمني الأعلى، وكانت هذه خطوة مهمة على طريق تحقيق الوحدة بخطوات مدروسة متأنية وخلق شبكة مصالح اقتصادية".

الثورة والدولة
كانت اليمن الديمقراطية الجمهورية الاشتراكية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، وشهدت علاقاتها بجيرانها توترات وأزمات، لاسيما أنها دعمت بعض الحركات الشيوعية المعادية لدول المنطقة، وحول علاقة اليمن مع الجيران الخليجيين، يعبر الرئيس ناصر عن أسفه أيضاً من بعض قادة الحزب والدولة، الذين لم يستطيعوا أن يفرّقوا بين حدود الثورة وحدود الدولة، يقول: "عندما تكون في موقع الدولة فأنت أمام التزامات، يجب أن تراعيها وتلتزم بها بموجب القانون الدولي، وقواعد العلاقات بين الدول والقائمة على احترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمصالح المتبادلة، وهذا يتطلب منك إقامة علاقات حسن جوار مع الجيران، ليس من مهمتي كدولة إسقاط الأنظمة، وعندما أقمنا علاقات مع عمان والسعودية وبقية دول الخليج، لم يستوعب البعض ذلك، واتهموني ببيع ثورة عُمان والجبهة الشعبية بعد تطبيع علاقتنا مع سلطنة عُمان عام 1982.

كان البعض يرى أنه كان لابدّ من استمرار الدعم للثورة في عُمان والخليج، وكانوا ضد تطبيع العلاقات مع دول الخليج، مع أنّ هذه العلاقات التي أقمناها مع دول المنطقة والعالم لم تكن على حساب السيادة والقرار الوطني، ولا على حساب العلاقة مع أصدقائنا في المعسكر الاشتراكي، وطبعاً هذه السياسة تستجيب إلى المصالح الوطنية العليا لشعبنا اليمني وشعوب المنطقة، وفي مصلحة الأمن والاستقرار بالمنطقة، وفتحت الأبواب لعلاقات الاتحاد السوفييتي مع دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات وعُمان، وكل هذه الأمور أدت إلى أحداث 13 يناير 1986".

هيبة الدولة
يقول ناصر: "اليمن الديمقراطية كانت دولة مهابة في المنطقة بحفاظها على السيادة الوطنية وحدودها من خلال جيش وطني ولاؤه للوطن والدولة، لم يكن قوامه يزيد في كل وحدات الأسلحة على 85 ألف جندي، ومن خلاله كنا نحافظ على السيادة والحدود، وكان بإمكان الجندي المرابط على بعد 2500 كم من عدن أن يتسلّم راتبه آخر كل شهر، وإذا لم يتمكّن لسبب ما يعود راتبه إلى وزارة الدفاع ليتسلمه لاحقاً.

لم تكن هناك أرقام وأعداد وهمية في قوام الجيش أو الشرطة كما نراه اليوم. باختصار لم يكن هناك فساد في المؤسسة العسكرية أو المدنية، إلى درجة أن الأموال التي تتجمّع طوال السنة من راتبه تدفع له نهاية العام، وكان هناك ضبط واحترام للنظام والقانون والخدمة العسكرية والمدنية، وكانت الترقية تُجرى وفق معايير نظام الخدمة العسكرية أو المدنية، ويجب أن نعترف أننا استفدنا من النظام البريطاني الذي ورثناه، وبنينا عليه بما يخدم تجربتنا في المجالين المدني والعسكري".

الدور السوفياتي في عدن
مرت دولة اليمن الديمقراطية بالكثير من الصراعات منذ الاستقلال وحتى الوحدة، وعن رأيه في أسباب وجذور هذه الصراعات، ودور الاتحاد السوفياتي فيها إيجابا أو سلبا، قال الرئيس الأسبق لجمهورية اليمن الديمقراطية الجنوبية: "ليس للاتحاد السوفياتي دورٌ مباشرٌ بهذه الصراعات، لكن هذا لا ينفي أن بعض الأجهزة كانت تتأثر بالمعلومات المغلوطة التي كان ينقلها البعض لها عن الخلافات الداخلية في قيادة الحزب، وبنوا عليها مواقف خاطئة كما ورد في وثيقة (كينيا اكسبرس) التي نشرت بعد أحداث 1986، وعن دور كارلن بروتنتس، مسؤول محطة اليمن في الحزب الشيوعي السوفياتي والـ (كي جي بي) في تأجيج الخلافات بين قيادات الحزب الاشتراكي اليمني، وأيضاً بتأجيج الخلافات في القيادة الإثيوبية للإتيان بعناصر موالية لهم، كما كانوا يعتقدون ويتوهمون، مع أننا لم نكن ضد الاتحاد السوفياتي، ونحترم العلاقة والصداقة مع قياداته، لكن دون أن نرهن قرارنا الوطني أو نفرط بسيادتنا الوطنية، وهذا لم يكن يرضي البعض؛ الذي كان يريد قادةً تابعين، وحتماً لم نكن من ذلك النوع".

وأشار إلى "أن هذا حدث مع القيادة الإثيوبية كما حدثني عنها الرئيس منجستو، وعن علاقته المريرة مع السوفيات خاصة في الانقلاب الذي دبره ضده في مايو 1989، خبراء عسكريون إثيوبيون وسوفيات عندما كان في طريقه لزيارة ألمانيا الديمقراطية".

وأوضح أن ، "البعض في تلك الأجهزة للأسف لم يكونوا يريدون إدراك أن مصالحنا وخصائصنا الوطنية تأتي في المقدمة، وأن علاقتنا ببلادهم ليست علاقة تبعية، بل علاقة صداقة ومصالح متبادلة. على سبيل المثال فقد رفضنا طلب السوفيات إقامة قاعدة عسكرية لهم، رغم ما كان يثار حينها أن هناك قواعد سوفياتية في عدن، وكان كل ما حصلوا عليه بعض التسهيلات في التموين والوقود والمياه لأسطولهم البحري لمراقبة تحركات الأسطول البحري الأميركي في المحيط الهندي، وكان هذا في زمن الحرب الباردة".

وعمّا يمكن استخلاصه من تجربة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة ونظرة الجنوبيين بفخر لدولتهم هذه، رغم الصراعات التي حدثت في عهدها، يقول الرئيس ناصر، "إن الإنسان عادة لا يحن إلى شيء إلا حين يفتقده، أو لا يجد البديل الأفضل، ويرى أن كل الإنجازات والمزايا التي كان ينعم بها لم يعد لها وجود وحياته تسوء كل يوم".

يضيف، معدداً إنجازات تجربة اليمن الديمقراطية: "نعتز بها لأنها حققت إيجابيات في كافة المجالات، في التعليم والطب المجّاني، وفي دعم الأسعار وتمكين المرأة، والاستثمار في الإنسان أهم رأسمال، وقبل ذلك في تحقيق الأمن والاستقرار اللذين لا تستطيع أن تقوم بأي تنمية بدونهما. وفي الجنوب كان المواطن يتنقل في جميع أنحاء الدولة من عدن إلى المهرة في مساحة قدرها 340 ألف كم آمنا على حياته وماله، وصنفت اليمن الديمقراطية كأفضل دولة بمنطقة الخليج والجزيرة في التعليم ومحو الأمية".

يستطرد قائلاً: "هذا ليس تقييمي، ولا تقييم دول أو أصدقاء لتجربتنا، بل تصنيف منظمة اليونسكو، وأولينا اهتماماً بالثقافة والفنون بالمسرح والتراث والكتاب وبالمبدعين وإقامة مهرجان الأعراس اليمنية سنوياً، الذي كان يعكس تراث وتقاليد كل محافظة من محافظات الجمهورية".

ويقارن ناصر كل هذه الإيجابيات مع ما يجري في عدن والجنوب عموماً من افتقاد المواطن إلى الأمن والاستقرار وأبسط مقومات الحياة، الماء والكهرباء والتعليم والصحة والخدمات الضرورية، فإنه يفتقد قبل كل شيء إلى الدولة والنظام والقانون". مستدركاً، "إن التجربة لم تخل من سلبيات مثلها مثل أي تجربة في العالم النامي، مع ملاحظة أن الإنجازات التي تحققت للمواطن في اليمن الديمقراطية تمت بأقل الإمكانات وفي ظل حصار إقليمي ودولي، وكانت دون المستوى الذي نطمح إليه، لكننا مع ذلك أقمنا دولة قوية مهابة ليس فيها مكانٌ للطائفية ولا الميليشيات ولا الفساد ولا الثأر مما نراه اليوم حين غابت الدولة وحلت محلها الفوضى والكانتونات الصغيرة".

اتفاقية الوحدة وذكريات الحرب
يلفت الرئيس ناصر إلى أن الاتفاق الذي تم بين العَلييّن (علي صالح وعلي البيض) عند تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، لم يكن مبنياً على دستور الوحدة الذي أكد الاستفتاء على الوحدة قبل إعلانها، ومع الأسف أن ذلك لم يحدث، وكانت هذه أول مخالفة للدستور، كما كان من المفروض التوقيع على الوحدة بين الرئيسين وليس بين الرئيس صالح والأمين العام البيض.

يفصّل ما حدث من اتفاق قائلاً، "تم الاتفاق على الوحدة في جلسة قات بحقّات (عدن) في صفحة ونصف الصفحة، مع أن اتفاقية الوحدة الألمانية صيغت في أكثر من 1000 صفحة، وكان الاتفاق بمثابة صفقة تم فيها اقتسام السلطة والثروة، وإقصاء كافة القوى السياسية شمالاً وجنوباً، ولهذا بدأت أزمة الثقة بين الشريكين التي أدت إلى ظهور الخلافات والصراعات واندلاع حرب 1994، وللأسف لم يفرّق البعض بين الوحدة كهدف نبيل وعظيم تحقق للشعب اليمني، وبين الممارسات الخاطئة بحق الوحدة من قبل الموقعين عليها، التي أدت إلى الحرب والانفصال عام 1994، هذه الحرب التي لا يزال الجميع يدفع ثمنها واستفاد منها تجار الحروب من الطرفين، فلم يكن الدخول إلى الوحدة أو الخروج منها قد تم بطريقة مدروسة".

وبشأن ذكرياته عن حرب 1994 بين الشمال والجنوب، يكشف ناصر عن رفضه عروضاً للعودة إلى السلطة من طرفي الحرب، قائلاً، "تم الاتصال بي من قبل الطرفين، وكان كل طرف يحاول استقطابي إلى جانبه في الصراع وهم الذين اتفقوا على إخراجي من اليمن عام 1990. بالطبع رفضت العرضين، إذ عرض علي سالم البيض أن أكون نائباً للرئيس في الدولة، التي أعلنها من عدن، وأيضاً رفضت عرض علي عبد الله صالح أن أكون نائباً للرئيس ورئيساً للوزراء في صنعاء، كما رفضت عروضاً أخرى من قبل بعض دول المنطقة، لأن هذا يتعارض مع مبادئي وتاريخي، ورفضت الحرب وطالبت بحل الخلافات عبر الحوار، وقلت إن المنتصر في مثل هذه الحروب مهزوم، وهذا ما أثبتته التجربة، وكنت قد التقيت الطرفين في الأردن والإمارات وقطر في محاولة لوقف الاقتتال والانفصال ولكن دون جدوى".

نشوة النصر
يشير إلى "أن الرئيس علي عبد الله صالح أصيب بنشوة النصر بعد دخول قواته عدن في 7 يوليو 1994، وأعتقد أن الأمر حسم عند هذا، ولكن النصر العسكري لا يعني نصراً سياسياً وإنما هو نصر مؤقت، ونصحته حينها بمعالجة آثار الحرب وتضميد الجراح وبإجراء الحوار مع الطرف الخاسر في الحرب ومعالجة آثارها، ووضع حد لإقصاء وتسريح العسكريين والمدنيين المحسوبين على علي سالم البيض، الذين ليس لهم ذنب في هذه الحرب. لكن عدم الإنصات للدعوات العاقلة أدى في الأخير إلى حركة الاحتجاجات السلمية التي بدأت حقوقية، ثم تطورت إلى حركات سياسية لو استجاب النظام لها لما ارتفع سقف المطالب إلى فك الارتباط والانفصال وغير ذلك".

مؤتمر القاهرة
سألته، هذا يقودنا إلى دوركم وتجربتكم في خضم تجربة الحراك الجنوبي، بقيادتكم لمؤتمر القاهرة، وتبنيكم مشروعاً سياسياً لحل إشكاليات الوحدة، فأخبرنا بهذا الخصوص، وما يحمله من أفكار وحلول، ومدى تجاوب الجنوبيين معها، بقوله: "يجب أن نعترف أن هناك قضية جنوبية عادلة لم تجد الحل، وكان النظام يراهن على الخلافات (الجنوبية – الجنوبية) واستثمارها، ولكن الجنوبيين فطنوا إلى وحدتهم، وأن تناسي خلافات الماضي سيكون مصدر قوة لنضالهم السلمي، فكان التصالح والتسامح الذي بدأ من جمعية أبناء ردفان في عدن 2006، التي حاربها النظام، وكانت منطلقاً للحراك السلمي الجنوبي الذي وُوجه بالقمع من قبل النظام ولكنه صمد رغم ذلك، إلى درجة أن كرة اللهب كبرت وقامت ثورة شباب التغيير في صنعاء وتعز، وبقية مدن اليمن واشتركت الجهود مجتمعة في إسقاط رأس النظام في فبراير 2012، وللأسف جرى الالتفاف على الحراك السلمي في الجنوب وثورة شباب التغيير في صنعاء لانحراف الثورة عن مسارها في التغيير".

وفيما يتعلق بمؤتمر القاهرة، الذي حضره أكثر من (600) شخصية من الداخل والخارج، ويعد أكبر مؤتمر يمني يقام في الخارج توّج بمخرجات أهمها؛ حق شعب الجنوب في تحقيق مصيره كحق شرعي تكفله كافة المواثيق الدولية وبنود القانون الدولي، رأى الرئيس ناصر "أن خيار صياغة الوحدة في دولة فيدرالية اتحادية بإقليمين جنوبي وشمالي على خط الدولتين الموقعتين على إعلان وحدة 22 مايو 1990، هو المخرج الآمن لحل القضية الجنوبية والمشروط بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره بعد فترة انتقالية لا تزيد على خمس سنوات، وأن عدم الاستجابة لهذا الحل يعطي الجنوبيين الحق في اللجوء إلى كافة الخيارات".

وأضاف: "لكن هذه المخرجات رفضتها بعض العناصر المتطرفة ولم تقدم البديل الأفضل".

عن الرئيس هادي
بعد أحداث 2011 وعزل الرئيس صالح، تولى الرئيس عبدربه منصور هادي رئاسة الدولة اليمنية كأول جنوبي يصل لرئاسة الدولة الموحدة، وبحسب الرئيس ناصر، "ليس المهم من يحكم اليمن إذا كان من الشمال أو من الجنوب، هذه الصفة تنتفي عندما تكون هناك دولة مواطنة متساوية ودولة نظام وقانون ودستور، بقدر ما هو مهم أن يمتلك القائد مشروعاً وطنياً لحل مشكلات البلد وعلى رأسها القضية الجنوبية وقضية صعدة، التي أدى تجاهلهما إلى الحروب والصراعات، التي لا تزال مستمرة وآخرها حرب 2015، التي تدخل عامها السادس هذا الشهر التي لا يستفيد منها غير تجار الحروب ويدفع ثمنها الشعب اليمني شمالاً وجنوباً".

يقول الرئيس ناصر: إن علاقته بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قديمة، "عندما كنت وزيراً للدفاع كان هادي نائباً لرئيس الأركان واستمرت علاقتنا الشخصية في عدن وصنعاء حتى الآن، وكنت قد توجهت إليه برسائل بعد تسلمه السلطة في مارس 2012، وهنأته بتسلم مهام رئيس الجمهورية، وأشرت عليه من باب الحرص والنصح بمجموعة من الإجراءات التي كنت أرى من الضروري والمصلحة أن يتخذها الرئيس الذي آلت إليه أمور البلاد والعباد حينها لمعالجة الأزمة التي تمثلت بمجموعة من القضايا، على رأسها القضية الجنوبية التي كانت بحاجة إلى حل سياسي يرتضيه الجنوبيون، وكذلك قضية صعدة وتجاوز آثار الحروب الستة التي عانوها في فترة الرئيس علي عبد الله صالح، كما أكدنا له على ضرورة تسوية أوضاع الجنوبيين الذين تأثروا بعد حرب 1994، وكذلك محاربة الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار لليمن ثم الدعوة إلى حوار وطني جامع يلتقي فيه جميع اليمنيين بكافة أطيافهم لمناقشة القضايا الوطنية، وعلى رأسها القضية الجنوبية وقضية صعدة وقضية شباب التغيير في الطريق لإنهاء الأزمة ووضع دستور جديد للبلاد وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للشروع في بناء دولة مدنية حديثة".

الحوار وليس الحرب
يصادف الشهر الحالي الذكرى الخامسة لاندلاع الحرب اليمنية، التي حذر منها ناصر منذ بدايتها بأنها لن تحسم في 30 أو 45 يوماً، كما كان البعض يتحدث حينها، لأنهم لا يعرفون طبيعة اليمن ورجاله وجباله، ولم يستفيدوا من تجربة الملكيين والجمهوريين والسعوديين والمصريين، آنذاك، فهي عصية عبر تاريخها القديم والحديث، وكان البعض يطالب بإسقاط صنعاء، وكنا نطالب بدخول صنعاء بالحوار لا الحرب".

يتابع: "هذه الحرب التي أدت إلى تدمير الدولة ومؤسساتها وجيشها وأمنها واستقرارها وخلقت جيشاً من تجّار الحروب، وأصبح في اليمن أكثر من رئيس، وأكثر من حكومة، وأكثر من جيش، ناهيك عن الميليشيات، الذين زاد عددهم على المليون وهو أكثر من الجيشين السوري والمصري مجتمعين، كما أدت هذه الحرب إلى أكبر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث، حسب توصيف الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وما جرى في اليمن ولبنان والصومال والعراق وسوريا وليبيا والسودان والجزائر وغيرها. وكنا قد تقدمنا بأكثر من مبادرة للحل بعد التقائنا العديد من القوى الإقليمية والمحلية والدولية وعملنا على تطويرها أكثر من مرة، ولكن تجار الحروب لا يريدون نهاية لهذه الحرب".

السلطة ليست نهاية الحياة
عاش الرئيس ناصر حياة سياسية حافلة، لكن ماذا عن واقع حياته الآن، وماذا يشغله؟. أوضح، "اتبعت مبدأ أن السلطة ليست نهاية الحياة، لذلك عملت على إنشاء المركز العربي للدراسات الإستراتيجية وتفرغت لكتابة مذكراتي التي صدر جزء منها، تحت عنوان: (ذاكرة وطن.. عدن من الاحتلال الى الاستقلال)، وستصدر البقية بعناوين: (ذاكرة وطن.. جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967م - 1990م)، و(ذاكرة وطن.. عدن والوحدة اليمنية)، و(ذاكرة وطن.. عدن والعالم). كما صدرت لي كتب عدة منها: "عدن التاريخ والحضارة"، و"الطريق إلى عدن"، و"القطار رحلة إلى الغرب"، و"رحلتي مع زايد".

وأواصل متابعتي للأوضاع في اليمن ولقاءاتي مع الجميع، ولم أتوقف خلال الحرب عن السعي الدائم لإيقافها وإيجاد حل سلمي للأزمة في اليمن، ولذلك قمت بزيارة العديد من الدول وشاركت في الكثير من المؤتمرات، ومع العديد من الشخصيات الدولية والعربية واليمنية، وكل هذه المساعي لوقف الحرب وتحقيق السلام في اليمن، وكان آخرها المبادرة التي تقدمت بها العام الماضي، التي من أهم أهدافها وقف الحرب، والعمل على إنهاء الصراع عبر حوار جاد بين مختلف الأطراف اليمنية وبرعاية إقليمية ومباركة دولية".

"ايندبيندت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى