الحب في زمن كورونا

> د.هشام محسن السقاف

> تقاس البشرية على كوكبنا الأرض باللاشيء ..نعم اللاشيء، بكل ما أنجزته من بنى إنسانية عملاقة لخدمة الناس، وبكل ما ابتكرته من آلات تدمير لا تبقي ولا تذر في حومة التنافس والصراعات القائمة بين أبناء آدم (عليه السلام) من قابيل وهابيل وحتى اليوم بين دول عظمى ومتوسطة القوة وضعيفة، وبكل ما أحدثناه في الأرض من فوضى عارمة: تلوث وضجيج وزحام وإسراف وعدم استخدام أمثل للموارد واحتكار وحصار وجوع وفوارق شاسعة تزداد بعدا بين الأغنياء والفقراء وبين الشمال والجنوب واحتقانات مستمرة بين الدول والقوميات والأثنيات والأديان والمذاهب والأعراق والأجناس والأكثريات والأقليات.. كل هذا وغيره كثير مضغوط في هذا الكوكب البيضاوي الأزرق وهو كله لا يساوي (وخزة) دبوس في (درب التبانة) فقط، ودرب التبانة هذا الذي يضم مجموعتنا الشمسية ومعها ملايين وربما مليارات الشموس والنجوم والكواكب والأقمار والنيازك... إلخ هو -أيضا- وخزة دبوس في الكون الكبير الكبير والذي يفوق إدراكنا.

إذن نحن كـ(أرض) نقطة في محيط لا قرار له، ثم يأتي (كورونا) المتناهي الصغر والذي لا تراه العين ليحدث كل هذا الذعر والخوف والهلع والترقب في مشارق الأرض ومغاربها. فماذا لو استمر كورونا في فرض وصايته على العالم وأسقط البورصات والبنوك والاقتصادات العالمية وحركة المواصلات وربما الاتصالات وقطع أوصال التواصل الجغرافي بين الدول، وكأننا نعيش مشهدا مخيفا من مشاهد فيلم (الظل) The shadow وهو بالمناسبة فيلم صيني أنتج عام 2018م للمخرج زانج ييمو.

إن حظا وافرا من ابتكارات العالم في مجال تقنية المعلومات قد جعلت العالم (تضامنيا) إزاء فيروس كورونا، ولكنها ساعدت على التهويل والتضخيم والكذب ونشر الإشاعة.. إلخ، وساعد الفيس بوك والواتس آب في بلدان متخلفة متلقية إنصاف المتعلمين والجهلة والأميين ثقافيا أن يتبوأوا مكانة ليست لهم، بعد أن نخرت هذه الوسائط في السلوك الاجتماعي إلى الأسوأ وهبطت كثيرا من الذوق العام وأصابت قطاعات من الشباب بالبلادة والتوحد وبوهم (الكتابة) بمجرد الحصول على مساحة وردية وصورة بارزة وكلمات مليئة بكل (مبطلات) الكتابة لغوية كانت أو نحوية ناهيك أن تكون إبداعية.

بينما الاستخدام يكاد يكون مقننا في الدول المتقدمة والأغراض محددة وليس استهلاكا للوقت جله كما يحدث لدينا.
وعلى سبيل المثال كان استقبال إغلاق الحرم المكي والروضة الشريفة بذات أهمية استقبالنا لإغلاق حديقة عامة أو موال في مدينة.

يقول الأستاذ أحمد خليفة السويدي وهو مستشار لرئيس دولة الإمارات ووزير خارجية سابق:

"كورونا لم تأتِ لتقتل وتبيد، كورونا جاءت لنحيي، نعم جاءت لنحيي ضمير الأمة، جاءت لتوقظنا من غفلتنا. جاءت لتربنا صغر حجمنا لإننا عجزنا أن نرى جرثومة استطاعت أن تهدد الكون بأكمله رغم صغر حجمها التي تكاد لا تذكر، جاءت لتقول لنا إن هناك ربا غفلنا عن ذكره وهو القادر على استبدالنا في عشية وضحاها".
واستطرد السويدي: "فقد أوقفت كورونا أقدس مقدساتنا عن بكرة أبيها، أوقفت أطهر بقاع الأرض عن السنة التي فطرها الله عليها، والله إنه لمصاب جلل تهتز له القلوب وتقشعر له الأبدان...

أمسينا ونحن نتبادل الأخبار عن إغلاق الحرمين.. وكأننا نتحدث عن إغلاق مول تجاري لأمر طارئ ساعات وسيتم فتحه، كورونا ليست وباء للبشرية، والله لنحن الوباء على هذه الأرض إن لم نستغفر ونتوب إلى الله، والله سيستبدلنا وسيأتي بأقوام يستغفرون ويتوبون إليه".

إن حدثا كهذا إذا تفجر دون كوابح وموانع - لا قدر الله - فإنه سيكون طوفانا شبيها بما أصاب قوم نوح (عليه السلام) وهو حتى في وضعه الحالي قد فجر أزمات واحتقانات شديدة، فهناك اتهامات واتهامات مضادة بين أمريكا والصين بشأن نشر الفيروس، وهناك تحالفات جديدة تطل برأسها من بين أكوام الضحايا، فالصين اليوم أقرب إلى أوروبا المتحدة منها إلى أمريكا، فإيجابية المارد الأصفر الذي تعافى من الفيروس -إلى حد ما- بمساعدته إيطاليا الموبوءة وصربيا والدول الأخرى على ذات الطريق بجعله كالفارس المنقذ بينما ترامب كان قد كشر عن أنيابه تجاه أوروبا ما عدا بريطانيا منذ بداية الأزمة ليس آخره عرض قدمه لألمانيا بعقلية المرابي المحتكر لشراء لقاح لعلاج الوباء بمبلغ ملياري دولار ما حدا بوزير الخارجية الألماني أن يرد قائلا: "إن ألمانيا لا تبيع شرفها".

كنت مشدودا منذ بدأت جائحة كورونا إلى الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز وروايته ذائعة الصيت (الحب في زمن الكوليرا) التي نشرت لأول مرة عام 1985م باللغة الإسبانية وترجمت إلى الإنجليزية عام 1988م وتحولت إلى فيلم سينمائي بالإنجليزية عام 2007م من إخراج مايك نيويل، وتساءلت: ماذا لو كان كورونا وهما اخترعناه لغرض ما ثم تحول إلى واقع مرير؟! وهو ما يشبه (وهم) الكوليرا الذي اخترعه بطل رواية ماركيز (فلورنتينيو ريثا) ليروع كل من كان على يخته ليهربوا تاركين المجال له لينفرد بحبيبته (فرمينيا) الذي لم يزده بلوغها السبعين عاما إلا حبا على حب.

ثم ذهبت للبحث عن قصيدة (الكوليرا) لرائدة التجديد الشعري المعاصر نازك الملائكة لعلي أجد مثيلا لها في كتابات اليوم رغم أن خطب كورونا أعظم من الكوليرا.

تقول نازك:

سكن الليل

اصغ إلى وقع صدى الأنات

في عمق الظلمة، تحت الصمت، على الأموات

صرخات تعلو، تضطرب

حزن يتدفق، يلتهب

يتعثر فيه صدى الآهات

في كل فؤاد غليان

في الكوخ الساكن أحزان

في كل مكان روح تصرخ في الظلمات

في كل مكان يبكي صوت

هذا ما قد مزقه الموت

الموت الموت الموت

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى