كيف يتم تحضير التخريب والفوضى في اليمن؟

> د. باسم المذحجي*

> قد يبدو استمرار الفوضى في اليمن أمراً لا محيد عنه، وذلك في خضم النظام الإقليمي الآيل للانهيار في سياق حافل بالعديد من الصراعات الداخلية والنزاعات بين الدول، ومضاعفات انخفاض أسعار النفط، وآثار التغيرات المناخية، وشحّ الموارد المائية في المدى البعيد، ناهيك عن تفشي جائحة كورونا.
إن الهواجس الشائعة بخصوص مآلات فوضى الحرب في اليمن، وكلفتها البشرية والتنموية، والأخطار المرافقة لها لم تعد ضمن إطار محدود لفهم كيف تتفاعل هذه الانهيارات مع بعضها البعض داخل كل مشهد، وكيف يمكن لأن تبدأ دولة مثل اليمن في معالجتها، وكيف تعالج كل هذه الأعطال التي تشهدها اليمن.

بشكل أعم، فقد انصرف اليمنيون عن حماية التنمية والاستثمار والسياحة في اليمن وحماية مصالح الدولة اليمنية، وكيفية النهوض بها إلى السير في ركب وأجندات الدول المعادية لليمن، ومعها غرقت اليمن في عزلة دولية وأذية اقتصادية. كذلك عندما نتحدث عن جعل الآخرين يمتثلون لأهداف الدولة اليمنية فذلك يجعلنا لابد ونكون كلنا في اليمن كتلة واحدة، لكن مع الأسف الشديد، فبالرغم من أفضلية موقع اليمن الإستراتيجي، لكن المجتمع اليمني منقسم على مختلف الأصعدة.

على أي حال، ففهم خطط الأعداء يجعلنا على دراية بطرق حماية اليمن، فالأعداء يركزون على تخريب المجتمع اليمني المتماسك من بوابة استقطاب المجرمين البسطاء، وهناك من هم على خلاف أيديولوجي مع سياسة الدولة، وهناك معدومو الضمير، والشخصيات المضطربة نفسياً، والتي تعادي كل شيء، فضلاً عن مجموعة صغيرة من عملاء الدول الأجنبية، ففي اللحظة التي يتم تحريك هذه الحركات باتجاه واحد، ينهار المجتمع اليمني بالكامل، وهذا هو الحاصل في اليمن اليوم، فنحن لا نوقف العدو؛ بل نسمح له أن يذهب، وأيضاً نساعده للذهاب إلى الاتجاه الذي نريده أن يذهب إليه.

على وجه الإجمال لحماية اليمن من الانزلاق إلى متاهة الفوضى المستمرة، فيتوجب علينا معرفة أهم المجالات التي تم أو سوف يتم تخريبها في اليمن على المدى الإستراتيجي.

1 - الدين: تدمير الدين الإسلامي في اليمن، والذي يختصر "بأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويديه"، واستبداله بمختلف الطوائف والعبادات والمعتقدات السياسية، بشكل يلهي الناس، وينشر الأذية بالقول والفعل، ويتسبب في تآكل عقيدتهم، واستبدال المنظمات الدينية المقبولة والمحترمة بمنظمات وهمية تصرف انتباه الشعب، لجذبهم إلى أجندات القتل ونشر ثقافة الموت والتطرف والإرهاب.

2 - التعليم: صرف الناس عن تعلم شيء بناء واقعي وفعال تنموي يخدم موقع اليمن الإستراتيجي، ويندرج ضمن خطة تنمية اليمن الطرفية والساحلية والجبلية إلى تعليم بعيداً عن التعليم الواقعي يهدف إلى تغييب الوعي، وتمرير أجندة فقهاء مسيسين لا يعلمون سوى الجهل بالتنمية، وعدم تطوير البلدان بينما يفقهون تخريب البلدان ونشر ثقافة الثأر.

3 - الزراعة: القات نبات مخدر ينمو ويزرع في اليمن على حساب الحبوب والفواكه والخضروات والثروة المائية؛ بل يفرغ جيوب اليمنيين، ويلهي ويضيع أوقاتهم، وانتشرت أسواقه، وخبرات زراعته، وتسويقه، والترويج، والدعاية له.

4 - التنمية والاستثمار: تقوية المركز والتي تأخذ شكلاً طائفياً، وتهميش المجتمعات الطرفية، وتعليق التنمية الساحلية في 2500 كم ساحلي، فبدل من التوجه نحو الفيدرالية، وأبجديات التنمية الطرفية الساحلية، فالمخطط جعل اليمن ذا حوافٍ هشة، ومرتع لظهور وتقوية الإرهاب، وغير قابلة للاستثمار والتنمية على المدى الإستراتيجي.

5 - الجريمة المنظمة العابرة للحدود: بيئة الفقر وانعدام فرص العمل، وعسكرة المجتمع تجعل من الانحراف الاجتماعي وسيلة لتجارة ﺍﻟحشيش ﻭﺍﻟﺴﻼﺡ ﻭﺍﻵﺛﺎﺭ ﻭﺍﻟﺘﺤﻒ، ﻭﺍلإﺗﺠﺎﺭ ﺑﺎﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻭﻏﺴﻴﻞ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ، ثم تقوم ﻋﺼﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺑﺘﻮﻇﻴﻒ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻘﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﺎﻉ ﻣﻨﻪ، ﻭﺗﺨﻔﻲ ﺃﻧﺸﻄﺘﻬﺎ ﻏﻴﺮ المشروعة ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺬﻭﻱ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻤﺠﺎﻻﺕ ﻛﺎﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟيمن، ﻭﺯﻋﺰﻋﺔ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ.

لا يمكن إعادة بناء يمن جديد مستقر شامل تعكس فيه إرادة الشعب اليمني الحر المستقل، وتنأى بنفسها عن الاستقطاب، وعن القضاء على الرأي المخالف وعن الدكتاتورية، إلا بالتخلّي عن جميع المواقف التي تسهم في تخريب المجتمع اليمني، وكذلك تصويب المواقف تجاه الخصوم السياسيين، من أجل الوصول إلى المنافسة السياسية السليمة، والتعددية والتعاون في يناء يمن بعقد اجتماعي جديد..

لقد جعلت اليمن في حالة موت سريري، فبدل الانتقال إلى مرتبة أعلى في تصنيفات التنمية البشرية والاقتصادية، نجدها وقد وقعت في فخ فوضى حرب أهلية في كل الاتجاهات الديموغرافية؛ لنغرق في فوضى الهجرة الداخلية، والهروب إلى خارج اليمن بوصفها حلاً للفوضى، بدلاً من أن تتوفر في اليمن مناخ وأجواء سنوات مقبلة إلى الازدهار.

*باحث إستراتيجي يمني.

دكتوراه في النوع والتنمية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى