لا تحشروا القط في الزاوية

> علي ثابت القضيبي

> وأنا أتعايشُ مع وقائع اللحظة بسوداويتها في جنوبنا، تحضرني واقعة حدثت لأحدنا عندما كُنا صبياناً، وهذا اتّسمَ بالرعونة في مسلكه وقراراته، إذ قَرّر مرة أن يؤدب قطاً، فأغلق عليه أبواب الغرفة، وطفقَ يضربه بعصاً، لحظتئذٍ استحال القط نمراً، فانتفخ نافثاً شعره ونفرت مخالبه، حتى عيناهُ جحظتا ومواؤه الوديع أصبح كالزّئير وهو ينط مهاجماً في أجواء الغرفة المغلقة عليهما، وخرج صاحبنا من الغرفة بعد كسر بابها من رجال حارتنا وهو مثخن بخدوشٍ وجراحٍ غائرة تملأ جسده، بل والرعب يزلزل قلبه من القطط وحتى من رؤيتها وإلى اليوم.

ما انفكّ السّحق والطحن في جنوبنا إلى اليوم، وهذا منذ ثلاثين عاماً خلت، وإلى اليوم تحظر المرتبات الزهيدة عن قُدامي عساكرنا المطحونين والمسرحين قسراً من وحداتهم وموظفينا، وحتى العساكر المستجدين الذين انبروا لمقارعة الحوثي محرومين من مرتباتهم! والكهرباء والمياه في انقطاعات مرهقة، وكل ما نعيشه هنا لا تقبل به حتى أفقر شعوب الأرض، مع أن أرض جنوبنا غنية بثرواتها المنهوبة من لصوص سلطة الفساد والعبث.

اليوم أيضاً، وبغية الاستمرار في تركيع جنوبنا المحرر، مع أنّ كل الشمال تساقط تباعاً في قبضة الحوثي عدا مأرب وحسب، وهذه مهددة بالسقوط، وهو ما يعزز شكوكنا في كل ما يدور، يشتد تضييق الخناق على جغرافيتنا، ويتفاقم دس قوى الضد والإرهاب وتسريبها إلى داخل جنوبنا، وكل هذا يعطينا قراءة جلية لما يحاك لنا، وهي لا تقبل تأويلاً آخر، وخلاصتها: "إمّا أن نستمر في دوسكم وتركيعكم، وإمّا أن نقتلكم!) وهي قراءة لا يقبل بها أحد، بل ومهما كلّف الأمر.

شقيقتنا السعودية، وهي جاءت هنا على رأس التحالف العربي لنصرة السلطة الشرعية كما تدّعي، مع أن التحالف قد انفرط عقده ولم تبقَ إلا هي، ومع ذلك يفصح أداؤها في مهادنة سلطة البغي الشرعية، وهذه الأخيرة تخاذلت تماماً في القتال لاستعادة شرعيتها، بل وأفصحت عن أداءٍ خبيث بتسليمها المهين لمحافظات تباعاً للحوثي، في الوقت الذي تظهر فيه المملكة موقفاً محيراً في ردة فعلها معها، وهذا يثير تساؤلات جمة ولا شك.

دأبت الشقيقة السعودية على اتخاذ مواقف هلامية مطاطة عند دخولها الحروب في ساحتنا، وهذا عائد إلى سياساتها المشوشة ولآليات اتخاذ القرار في منظومة حكمها العائلي، فهي تخوض في الحروب لسنواتٍ طوال، مع أنه بحساب عتادها من المفترض حسمها في أجل قصير ولا شك. لكن المملكة كما يبدو، لم تضع حساباً بأن الأنياب مكشرة نحو جغرافيتها الشرق أوسطية أيضاً، كما، ولن يكون للمخزون المالي والنفطي الهائل خاصتها، اعتبار أو حائل أمام نوايا "الشرق الأوسط الكبير"، الذي خطط له المتحكمون بعالمنا، وهذا عائد لها في تقدير مسألة الاحتفاظ على الأقل بصديق أو أصدقاء جِديين حولها وفي محيطها، وربما قد يقفون معها بثبات وقت الضائقة، ووقائع الأحداث اليوم تفرز الغث من السمين بهذا الصدد.

أيّاً كان ما يدور في جغرافيتنا الإقليمية هنا، فنحن -الجنوبيين- أفصحنا جلياً عن موقفنا، وعن رفضنا القاطع لديمومة العبودية على كاهلنا، ثم أن أي انكسار لنا يعني أزلية عهد الاستعباد والخضوع للآخر، هذا إن لم تنصب لنا المشانق في الشوارع، وسيكون التنكيل بنا على أشده، ولذلك من المهم عدم اللجوء إلى حشر القط في الزاوية الضيقة، فهذا تبعاته غير طيبة وكارثية ولا شك.. أليس كذلك؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى