الأدب السياحي

> أحمد عسيري

>
قد يستخف البعض بهذا المسمى لكونه غير المسبوق في أدبنا العربي، مع أنه أدب شاعت فنونه في الآداب غير العربية، وتعددت وجوهه في السرديات والشعر والفنون التطبيقية، كالسينما والتلفزيون ولوحات الفن التشكيلي، عرّفه الباحث جمال بدران بأنه: "التجوال والتحليق في عوالم وآفاق بعيدة عن العين والأذن، إلى الحد الذي تقربه من أدب الرحلات المعروف، بما فيه من تقريب البعيد وتقديم مشاهد لأماكن نائية وشعوب متأخرة أو راقية، ونماذج من حياة غريبة عنا أو شبيهة لنا، وأنواع من الكائنات عاشت أو لا زالت تعيش في جنبات الأرض أو محميات بأعماق البحار، لكن الأدب السياحي يظل يطرق أسماعنا الآن كأنه يلح علينا بأنه شيء مخالف لما عهدناه في أدب الرحلات"، هذا ما قاله بدران، لكن الأدب السياحي يقع في نطاق حواس الإنسان من مرئيات وسمعيات ومشهيات تذوقية، هو وصف مباشر قائم بذاته يستقل أو يتداخل مع البناء السردي أو الشعر الوصفي، ويتميز بالتأنق في صوغ العبارات مستهدفاً تجميل الموصوف وتحسينه لراغب السفر أو الباحثين عن الاستمتاع، يتحقق هذا الأدب على سبيل المثال في الدراما التركية، فالمكان هو البطل، والسيناريو المكتوب هو جزء من الأدب السردي، ولكنه يعتمد على الإغراء والتأثير المباشر واللعب على حواس المشاهد، وذلك بعرض المرئيات الانتقائية التي ترفد النص وتسوقه سياحياً مثل: الغابات، الأنهار، الأحياء القديمة، المتاحف، الجزر، الشواطئ، فن العمارة، الجبال المكسوة بالثلوج، الآثار، الرقصات والفنون الشعبية، وغيرها، مما يغري المشاهد أو القارئ فيشد إليها الرحال، محققاً الإشباع السياحي والمتعة الفائقة.

نفتقد هذا الأدب في مجمل أعمالنا الدرامية (السعودية) المعتمدة على النص المكتوب، ونلمسه بوضوح وبكل موحياته ومقارباته وتنامياته عند كثير من كتاب السرد وكاتباته في منطقة (عسير) مثلاً، من حيث الاحتفاء بالمكان والتعويل على حضوره بكل تعالياته وجمالياته وقيمه وعوالمه، وسطوته وموجوداته ومناخاته الزمانية والمكانية، وبالذات في أعمال محمد علوان "الخبز والصمت"، وتركي العسيري "من أوراق جماح السرية"، وإبراهيم شحبي "أنثى تشطر القبيلة"، وأحمد أبو دهمان "الحزام"، وإبراهيم ماطر "الذهول"، وإبراهيم مضواح "جبل حالية"، وظافر الجبيري "الهروب الأبيض"، وعلي فايع "ظل الحقيقة"، وحسن عامر "المتشظي"، وعيسى مشعوف "ضعيف الله"، وعبير العلي "الباب الطارف"، وكفى عسيري "حالية اللبن"، وعبدالخالق الحفظي "وابتسمت أبها في الخريف"، كل هذه الأعمال وغيرها كانت بحاجة إلى من يحرك كوامنها المطمورة، وإطلاق ما بداخلها من قيم معنوية واجتماعية وكونية، وتوصيف أخاذ لعبقرية المكان والاستئناس بما ارتسم في باطنه من معنى إنساني، وذلك يتطلب صناعة إعلامية معرفية واحترافية، تحتمها المرحلة والالتفات إلى داخل ذواتنا بعد أن أسرفنا في استحضار دراميات لا تشبهنا، وعوالم طارئة لا تنسجم مع طبائعنا وحضارة وتاريخ بلادنا.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى