تغليب المصلحة الاقتصادية على صحة الأتراك

>

يغامر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحياة الأتراك العاملين بالرغم من إعلان حظر تجوال جزئي بسبب تفشي فايروس كورونا، في محاولة لإنقاذ الاقتصاد التركي من الانهيار.

وتتساهل السلطات التركية مع عمال المصانع والشركات من أجل استمرار عجلة الإنتاج بغض النظر عن النتائج الكارثية المحتملة عن انتشار الوباء.

وعبر أردوغان الأسبوع الماضي عن قلقه حيال استمرار توريد الاحتياجات الأساسية وضمان استمرار الإنتاج دون انقطاع لدعم الصادرات. وقال “يجب على تركيا في جميع الظروف الحفاظ على الإنتاج والتأكد من استمرار عجلات الإنتاج في الدوران”.

ولم تشدد تركيا قبضتها بشأن التدابير الاحترازية الخاصة بتفشي فايروس كورونا مثلما فعل جيرانها في أوروبا والشرق الأوسط، لكنها بدلاً من ذلك اعتمدت على اتباع استراتيجية تقييد الوصول والتنقل على الصعيد الوطني والتي لا تصل إلى حد الإغلاق الإلزامي.

ودفعت المخاوف الاقتصادية الرئيس التركي حتى الآن إلى مقاومة الدعوات إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة. ولكن مع ارتفاع عدد الإصابات بشكل حاد وبعد أسابيع من بلوغها ذروتها في البلاد، يعتقد الكثيرون أنه لن يتمكن من تأجيل إعلان إغلاق تام لفترة أطول.

ولا يجهل أردوغان محنة الأتراك ذوي الدخل المنخفض، لكن سياساته النقدية والمالية المشكوك فيها سلّحت إدارته فقط بالحد الأدنى من الموارد لمساعدتهم.

وتركت السياسات النقدية والمالية المضللة التي اتخذتها تركيا لدعم الليرة، الاقتصاد في وضع صعب في ظل أزمة فايروس كورونا، لكن من الواضح أن إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان لا ترغب في إعادة تقييم نهجها.

وفرضت السلطات يوم الجمعة حظر تجوال مفاجئا لمدة يومين في 31 مدينة لتقليل الحركة خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وأَجبر الحظرُ الأتراكَ على الاندفاع إلى الشوارع وتشكيل صفوف طويلة خارج المتاجر، مع تجاهل الكثير من قواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة.

وقفزت معدلات الإصابات المؤكدة في تركيا إلى أكثر من 52 ألف حالة مع أكثر من 1100 حالة وفاة منذ الإعلان عن أول حالة في الحادي عشر من مارس، مما دفع منظمة الصحة العالمية إلى التحذير من أنها “تشعر بالقلق من أن تركيا قد شهدت زيادة كبيرة في انتشار الفايروس”.

وكانت تركيا من أوائل الدول التي اتخذت إجراءات ضد فايروس كورونا عن طريق إغلاق حدودها مع إيران التي تضررت بشدة ووقف الرحلات الجوية من الصين وإيطاليا. ومنذ ذلك الحين، حظرت تركيا جميع الرحلات الدولية، وقيدت الرحلات الداخلية وأقامت نقاط تفتيش على الطرق خارج المدن لمنع السفر غير الضروري.

وتم وضع ما لا يقل عن 156 بلدة أو قرية في الحجر الصحي، حيث لم يتمكن السكان من مغادرة منازلهم.

ولكن في غياب الإغلاق الكامل، تظل العديد من المتاجر والشركات مفتوحة في إسطنبول، ويعمل بها 15 مليونا، ويستقل الناس وسائل النقل العام ويتجولون بحرية على شواطئ البوسفور.

وقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو إن حوالي 64 في المئة من السكان ما زالوا في الخارج، ويتم فرض قيود جزئية فقط عليهم.

وفي ظل وجود حوالي 60 في المئة من حالات الإصابة بفايروس كورونا في البلاد، تُعتبر إسطنبول مركزَ تفشي المرض في تركيا، ويطالب إمام أوغلو بإصدار قرار إقامة جبرية في المنزل في المدينة، إن لم يكن في الدولة بأكملها.

وعبر إمام أوغلو عن إصرار إدارته على فرض حظر التجوال لتقليل هذا النشاط. وقال لوكالة أشيوتيد برس “نريد إصدار قرار بالإغلاق الكامل”.

وأضاف رئيس بلدية إسطنبول، وهو شخصية معارضة رئيسية يمكن أن تتحدى أردوغان في الانتخابات العامة عام 2023، “إن الطريقة الوحيدة لتقليل الوفيات، هي أن يقطع الناس الاتصال تمامًا”.

وقال كان سيلكوكي رئيس مركز أبحاث إسطنبول للاقتصاد، إن استراتيجية الحكومة للحد تدريجياً من الحركة تهدف إلى “منع الاقتصاد من التوقف التام لأطول فترة ممكنة. لكن إذا استمرت معدلات الإصابة في الارتفاع، فإنه يتحتم حينها فرض إجراءات الإغلاق التام”.

ومع ظهور حالات إصابة بفايروس كورونا في تركيا الشهر الماضي، واصلت الحكومة استخدام احتياطيات البنك المركزي للدفاع عن الليرة. وعلى الرغم من هذه الجهود، انخفضت الليرة إلى أضعف مستوياتها منذ أزمة العملة لعام 2018، ويتوقع المحللون أنها ستنخفض أكثر، مما يثير الشكوك في ما إذا كان الأمر يستحق إهدار احتياطيات البنك المركزي.

وقال أتيلا يشيلادا المحلل الاقتصادي التركي لدى مؤسسة “غلوبال سورس بارتنر” “رد فعل أنقرة الاقتصادي يتماشى مع الاقتصادات المتقدمة من حيث التوقيت ولكنه ضيق النطاق للغاية”.

واعتبر يشيلادا في تصريح لموقع أحوال تركية أن الأيديولوجيا كانت دائما تمنع تركيا من انتهاج أفضل السياسات، معبرا عن اعتقاده أن هذه المرة لن تكون استثناءً.

وأوضح “كان شراء الأصول من قبل البنك المركزي ضرورة لضخ السيولة في البنوك والمساعدة على تحمل جزء من عجز الميزانية المقبل. ومع ذلك، تعاني تركيا من ضعف مزمن في العملة وانخفاض أسعار الفائدة بشكل كبير. وإن ضخ المزيد من الأموال في النظام من المرجح أن يسبب انخفاضا أسرع في قيمة العملة”.

ولا تفعل حزمة الطوارئ التي بلغت 15.4 مليار دولار والتي تم تمريرها الشهر الماضي، وكانت صغيرة مقارنة بالاقتصادات الناشئة الأخرى، سوى القليل لتحفيز الأتراك ذوي الدخل المنخفض على البقاء في المنزل لمنع انتشار فايروس كورونا.

وقال الخبير الاقتصادي التركي، إيمري ديليفيلي، “المشكلة أن الحكومة لا تملك الموارد اللازمة لتصميم برنامج دعم كامل للدخل. لهذا السبب لم يصدروا بعد قرارًا بالحظر الكامل”.

وطالب يشيلادا تركيا بإعلان وتطبيق حظر التجوال لمدة شهر بإجازة مدفوعة الأجر لجميع العمال، تُدفع من قبل صندوق التأمين ضد البطالة.

ويتوقع العديد من الاقتصاديين وجود مليون إلى مليوني عاطل عن العمل بحلول نهاية الصيف. وبمجرد دعم هذه المجموعة بحوالي 4 آلاف دولار للشخص الواحد سيكلف هذا تركيا 4 إلى 8 مليارات دولار.

ودعا أردوغان الناس إلى التبرع للجمعيات الخيرية عندما أطلق “حملة تضامن وطنية” لتقديم الدعم المالي للأتراك الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية بسبب فايروس كورونا.

وقال شادي حامد، زميل في معهد بروكينغز ومؤلف كتاب “الاستثناء الإسلامي.. كيف يعيد الصراع على الإسلام تشكيل العالم”، “إن حشد الأتراك لإنفاق الصدقات باستخدام اللغة الدينية هو جزء من الخطة. حيث الإسلام عند أردوغان نابع من شعوره الداخلي أكثر من كونه فكرا وثقافة. وهو يتبع نهجا أكثر نعومة، بمعنى أنه يعتمد إلى حد كبير على الحوافز السياسية والاقتصادية للحث على الأخلاق بدلاً من تشريعها”.

وأضاف “من الصعب أن نتخيل أردوغان، أو في الواقع أي زعيم لدولة إسلامية محافظة، يتحدث عن الحاجة إلى العطاء دون وضعه في إطار ديني، خاصة مع اقتراب شهر رمضان. لكن الاختلاف مع أردوغان هو أن هذه الأنواع من النداءات تنبع من داخله وليست مجرد وسيلة يتخذها لتحفيز الجانب الديني في الشعب”. 

ويكشف فايروس كورونا عن العديد من الأخطاء في إدارة أنقرة الدقيقة للاقتصاد. إن إهدار احتياطياتها الأجنبية للدفاع عن الليرة هو أمر غير مستدام.

ويقول يشيلادا “في الواقع، هذا خطير للغاية. ومع العلم بأن البنك المركزي يغش، يريد كل من المستثمرين المحليين والأجانب الحصول على دولاراتهم والفرار من النظام. وفي هذه الحالة، لا يمكن تجنب الضوابط الرأسمالية بشكل ما أو الاستعانة بصندوق النقد الدولي”.

عن "العرب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى