رواد الأغنية العدنية ومشاركتهم في بناء الشخصية العدنية

> مختار مقطري

> أول مرة استمع استماعاً مباشراً للفنان الكبير الراحل خليل محمد خليل، رائد الأغنية العدنية، وهو يغني رائعته الخالدة "حرام عليك تقفل الشباك" كانت في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة عدن خلال حفل تكريمه من قبل الجامعة، فعرفت حينها ما معنى أن يكون المطرب عظيماً والملحن كبيراً وكاتب النص الغنائي رائدا من الرواد الكبار.. وحينها يصنعون أغنية لا تموت، بل تظل عالقة في الذاكرة والوجدان الجمعي ويرددها الناس.

ورغم أن كثيراً من المطربين قد غنوها، لكن سماعها من صاحبها مباشرة له أكبر التأثير في النفس، فهو يعرف تفاصيلها، ويعرف لماذا لحنها لحنا بسيطا لا تعقيد فيه ولإثبات أستاذية، لحن بسيط كبساطة الإنسان العدني الذي بدأ منذ مطلع الأربعينيات من العام الماضي يبحث عن أغنية خاصة به معبرة عن مشاعره الهادئة ونزعاته المثقفة المتطلعة غير المتوترة، بفضل الأغنية العدنية التي صنعها له خليل محمد خليل وزملاؤه.

في ذلك اليوم سمعت الفنان الكبير الراحل يغني هذه الأغنية بأستاذية فنية عدنية لا تشنج فيها ولا توتر ولا ابتذال.. كان يغني بسهولة فنية كلها اقتدار وإحساس جميل، بصوته الجليل والبسيط معا المبخر بالعود العدني.. وكان الجمهور يطرب لغنائه والبعض يردد معه منتشا طرباً ومستحثاً ذكرياته مع هذه الأغنية الرائعة الخالدة. مصفقا بحرارة، تعبيرا عن مشاعر شتى.

وفي تلك المرحلة من الأربعينات كان العدني قد طاف متذوقا كثيرا من الألوان الغنائية، الهندي والمصري والصنعاني والحضرمي واليافعي واللحجي، وأعجب بها وعشق الكثير منها، وتكونت ذائقته الفنية الحساسة للجمال في النص واللحن والأداء، لكنه ظل يبحث عن أغنية عدنية تجديدية، تمتاز بالإبهار والبساطة، وتترجم مشاعره الجميلة جمال البحر والشاطئ من حوله، وتلون الهدوء والعفوية في علاقاته الحبية بمواطنيه في عدن، وفيها حداثة وتجديد كولعه بالحداثة في كل شيء حتى في ثقافته وأسلوب حياته وعلاقاته غير المعقدة مع الغير.

وجاء رواد الأغنية العدنية أمثال بامدهف والفارعين وبامدهف وغيرهم وكان رائداهما خليل محمد خليل والشاعر الكبير الراحل، د. محمد عبده غانم، وهو علم من أعلام المثقفين الرواد في الوطن العربي وشاعر فصحى كلاسيكي حديث، لكنه حين انبرى لكتابة النص الغنائي العدني، كتبه بقلم المواطن العدني البسيط. بلا فلسفة أو تعقيد. لأن العدني يكره الفلسفة والتعقيد، بسبب حياته البسيطة والسهلة وحبه للمرح والحب، ولولا د. محمد عبده غانم بنصوصه الغنائية الرقيقة والشاعرية بمفرداتها المأخوذة من شفاه البسطاء لما تأسست الأغنية العدنية، ولم يعترض مثقف على بساطة د. غانم في كتابة النص الغنائي مقابل قامته الرفيعة في الأدب والشعر وفي البحث في الموسيقى والغناء، وكانت هده الأغنية "حرام عليك تقفل الشباك" من أول نصوصه الغنائية، لأن الهدف كان واضحاً ويتفق عليه الجميع، المثقفون والفنانون ومعظمهم كان في تلك الفترة مثقفاً، والصحافة والنقد الفني وكل فئات الشعب العدني، ولذلك بدأت الأغنية بجمالها وببساطتها في النص واللحن والأداء، في أواخر السبعينيات تختفي لاختفاء البساطة والهدوء وراحة البال والثقافة المتواضعة سلوكا وأخلاقا، والعلاقات الاجتماعية المعتمدة على المحبة.

لقد كتب د. غانم النص الغنائي العدني، ليس لأنه شاعر فقط، ولكن لأنه شاعر عدني صاحب رسالة، ليسهم في بناء الشخصية العدنية التي لها خصوصية محلية عدنية في مجتمع يموج من حولها بجنسيات مختلفة لها ثقافاتها وأغانيها، وكانت بساطتها المثقفة والشعبية خير ما يميزها. فكانت الرؤية الفنية متفق عليها بينه وبين رواد الأغنية العدنية، وفي مقدمتهم خليل محمد خليل، ولذلك كان لحن خليل لـ "حرام عليك" البسيط بجمال وفخامة وامتياز الإنسان العدني، وكل تلك المميزات لا تبدو إلا بصوت وأداء خليل محمد خليل الذي أكسبها الخلود ببساطته العدنية ذات الفخامة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى