الهدنة تنتهي اليوم.. تكتيكات التحالف بين الحسم العسكري والحل السياسي

> بندر الهتار

> تنتهي اليوم الخميس المدّة الزمنية للهدنة التي أعلنها التحالف السعودي في اليمن. وهي هدنة نفّذت فيها الطائرات السعودية مئات الغارات، وشنّت القوات الموالية لها عشرات الزحوف. قد نتفهّم لو اقتصرت خروق وقف إطلاق النار على الأعيرة النارية الخفيفة أو المتوسّطة، لكن ما لا يمكن تبريره هو أن تكثّف الطائرات من قصفها خلال فترة الهدنة أكثر مما كان في الأسابيع التي سبقتها!

إلى جانب ذلك نتساءل، لماذا هدنة من أسبوعين وليس وقفاً شاملاً للحرب؟ أليس من باب أولى إعلان وقف الحرب من طرف واحد لإثبات جدية السعودية في إغلاق ملف اليمن ومعالجة ملفه الإنساني؟

ذلك كان ممكناً لو صدقت الادعاءات السعودية، لكنها كما يبدو مناورة سياسية وإعلامية تندرج ضمن هدفين أساسيين:

1 - التوقّعات الكبيرة بتسلّل فيروس كورونا إلى اليمن. وسواء كان ذلك عن طريق السعودية عمداً كما تتّهمها صنعاء، أو بسبب الرحلات التي يتم تسييرها بشكل غير منضبط، فإن الرياض تدرك أنها تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، باعتبارها المُهيمن على المنافذ البرية والجوية. لذلك سارعت إلى الإعلان عن وقف إطلاق النار بحجّة توظيف الجهود لمواجهة الوباء. ساعدها في إبراز هذه الدعاية ترحيب الأمم المتحدة، كذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية.

2 - إعادة ترتيب الأوراق العسكرية للقوات الموالية لها، خاصة في مأرب. يتزامن ذلك مع التقدّم المُتسارِع للجيش اليمني واللجان الشعبية باتجاه السيطرة على المحافظة، وما يعنيه ذلك من نصر إستراتيجي قد يؤثّر على مسار الحرب. لذلك حاولت السعودية تفادي خسارة سريعة في مأرب من خلال الدفع بتعزيزات عسكرية، ثم بفتح جبهات أخرى في البيضاء وصحراء الجوف، مع غطاء جوي مُكثّف علّها تعيد شيئاً من التوازن العسكري، لكنها فشلت حتى الآن.

في المقابل، كان موقف حكومة صنعاء واضحاً منذ البداية، فالإعلان السعودي قُوبل بالتجاهل لسبب جوهري، وهو أن المُعطيات المتوافرة تؤكّد أن الرياض ليست في وارد الحل السياسي راهناً. استنتاج ذلك لم يكن خاضعاً للاحتمال، بل حقيقة ثابتة أفرزها التواصل بين الطرفين خلال الأشهر الماضية.
لم تكن صنعاء في موقع الطرف المتلقّي، فقد سبقت الهدنة السعودية بوثيقة مقترحة للحل الشامل أرسلتها إلى الأمم المتحدة استجابة لدعوات أنطونيو جوتيريش بضرورة وقف الحرب. ويمكن من خلال التدقيق في بنود الوثيقة فَهْم الحرص المتجدّد على السلام، مع الاحتفاظ بمكاسب 5 سنوات من الصمود.

من الطبيعي أن تسعى حكومة صنعاء إلى السلام باعتبارها الطرف المُتضرّر من الحرب، واستناداً إلى ما قدّمته من مبادرات آخرها مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط في سبتمبر الماضي، وتنفيذ الالتزامات الخاصة باتفاق السويد المتعلق بالحديدة، علاوة على الالتزام بتنفيذ أية خطوات لبناء الثقة ومنها الإفراج الكامل عن الأسرى والمُعتقلين.

بعكس السعودية التي ترى في وقف الحرب إعلاناً لهزيمة مدوّية، وعقبة كبرى أمام طموحات محمّد بن سلمان الذي سعى إلى جعل العدوان على اليمن بوابة لتعزيز قبضته على السلطة وبعض محيطه الخليجي، مع هواجس مُتجذرّة من خطر وجودي في جوارها الجنوبي.
وبرغم أن الرياض لا تحتاج إلى مَن يُحرّضها ضد اليمن، فذلك لم يمنع حكومة هادي من استغلال الأوهام السعودية لعملية تحريض واسعة تُقدّم الاستمرار في الحرب الخيار الأقل كلفة. تنتهج حكومة هادي ذلك باعتبار مصالحها المفقودة في السلام.

في المحصّلة، بات واضحاً أن السعودية تفقد في وقتٍ وجيزٍ ما حقّقته من مكاسب خلال السنوات الماضية، مع ذلك لا تزال مُصرّة على فرض شروطها في أيّ حل سياسي، وهذا ليس ممكناً وغير منسجم مع المنطق. التنازل عن تلك الشروط يبدو بعيداً للغاية في الوقت الراهن، ومنها الحفاظ على مكانة المملكة كفاعل في القرار اليمني وبقاء الحصار!

أما الإمارات وباعتبارها عضواً فاعلاً في التحالف، ولها امتداد ميداني يتمثّل بالمجلس الانتقالي جنوباً، وقوات طارق عفاش في الساحل الغربي، فإن أولوياتها تبدو مختلفة عن السعودية. تحوّل النفوذ الإماراتي إلى نقطة خلاف مع الرياض، تشهد المرحلة الراهنة توتّراً كبيراً قد يؤدّي إلى انفجار عسكري في عدن ومدن جنوبية أخرى.
لا تبدو أن أولوية أبو ظبي تنصبّ في صنعاء، عدا الدفع لإشراك طارق عفاش في أيّ مسار سياسي ولو بشكل محدود. ما يَهُمها أكثر هو كيف تحافظ على المجلس الانتقالي كطرف مُهيمنٍ على الوضع في الجنوب، ويجب أن يكون الحل السياسي تحت هذا السقف. وهذا تعقيد كبير يُطيل أمد الصراع ويُعزّز الانقسام بين دول التحالف.

لا تقتصر عراقيل السلام على التحالف، إنما توجد عوامل أخرى مؤثّرة تتعلّق بالمجتمع الدولي والأمم المتحدة.

"الميادين"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى