دعوني أبكي على عدن

> حسين فروي

> حين يفقد المرء معشوقته أو يحرم منها لا يعود له من ملاذ سوى البكاء عليها، فدعوني أبكي على معشوقتي عدن التي كانت أجمل مدن الأرض والتي تغنى بها المؤرخون والمثقفون والمبدعون بأنها عنوان المدنية والحضارة والثقافة والقانون، هي مسقط رأسي ومنبع إحساسي ومجمع حواسي هي المدينة المفتوحة لكل العواطف والمشاعر والأحاسيس.

إنها تفتح مفاصل قدرتك على التأمل والإبداع والتجلي والحب، فإذا رغبت في القراءة فلا أروع من كتاب عدن، وإذا رغبت في الكتابة فلا أروع من قاموسها، وإذا رغبت في الكلام فالصمت أنبل في حضرتها. عدن لا تسألك من أنت ومن أين أنت، ولكن تسألك كيف أنت؟

أهلها الطيبون يفيضون ألفةً واتساعاً لكل من وطأها وعشقها، عدن فضاؤها مفتوح وأحياؤها وشوارعها وبحرها وأهلها على فطرة الخالق من البراءة والوداعة والانفتاح على الآخر، عدن ليست في بحرها وجبالها، لكن في قلوب ناسها الطيبين.

وأنت في عدن لست غريباً أو يتيماً على الإطلاق ولست زائراً أو عابراً، لأنك إذا غادرتها ستظل رائحتك في جسدها طول العمر وتظل رائحتها في ذاكرتك عصية على النسيان.

عدن هي أكثر المدن قدرة على الاندماج على الأرض، فهي منفتحة على تنقلات البشر وامتزاج الثقافات واللغات واللهجات والديانات، وبهذا يكون هذا الصنف من المدن عصياً على الزوال في التاريخ، فهل يمكن لأية قوة على وجه الأرض أن تزيل هذه المدينة من الذاكرة؟

ولكن.. للأسف ما نراه اليوم في هذه المدينة، أصبح الكل الكل يمتهنها والكل يعبث بها ما عادت بدواخل أهلها. قلوب تتوجع وأرواح تتألم ومقل تذرف الدموع، تعطلت لغة الكلام وتصخرت دواخلهم، أدخلوا ملكاتهم ومشاعرهم وأحاسيسهم في سبات عميق إلى أجل مسمى كسر أهلها وهم كرماء، نهبت ثرواتها وهي غنية وأهينت عدن وهي عظيمة وشرد أهلها وهم أعزاء، أشعلوا الصراعات فيها وتحالفوا ضدها ودمروا كل شيء جميل فيها، لكن يا عدن أنتِ وطن الانتصارات وتبقين وطن الأحرار لكل شعوب الأرض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى