الدولة العميقة وتعطيل الإدارة الذاتية في عدن

> وداد الدوح

>
وداد الدوح
وداد الدوح
ما أن أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية في الجنوب في أواخر أبريل 2020 حتى تعالت الأصوات المرحبة بهذا الخطوة المهمة والتي انتظرها الكثير من الجنوبيين باعتبارها أولى خطوات الحكم الذاتي والمؤدي إلى استقلال دولة الجنوب.
إلا أن تلك الخطوة القوية والجريئة التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي ليست كافية وحدها للنهوض بالجنوب وتوفير الخدمات الأساسية والترميم والإصلاح والقضاء على الفساد وإعادة الإعمار، طالما ودولة صنعاء العميقة أو (دولة الظل) في الجنوب هي المتحكمة بإدارة مؤسسات الجنوب.

فتاريخ الدولة العميقة في اليمن عامة يمتد إلى ما قبل 1990، عام الوحدة، إلا أن ذلك اللوبي أعاد ترتيب مهامه وتموضعه بما يتناسب مع مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية. فسعى حينها الرئيس علي عبدالله صالح والقوى الشمالية الأخرى للسيطرة على إدارة مؤسسات الجنوب من خلال التحكم بعدة ملفات وتمكين الدولة العميقة من إدارتها عبر أذرعها المختلفة السياسية والدينية والمالية والتشريعة والقضائية والإعلامية والتنفيذية والأمنية لتصبح بذلك دولة الظل هي المتحكمة في كل الملفات والمسيطرة على إدارة الجنوب من الباطن مع وجود رأس مركزي متمثل بالرئيس علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر ونظامه يتحكمون بسير مهام الدولة العميقة ضمن إطار إداري شكلي يتناغم ويوازي في توليه للمهام مع النظام الرئيسي لصالح، وذلك بعد أن تخلص الأخير من الكوادر الجنوبية بفرض قانون التقاعد الإجباري لحوالي 698,000 عامل وموظف من الكوادر والكفاءات المؤهلة علمياً وفنياً وتقنياً في مختلف المجالات التخصصية.

فكان للدولة العميقة في الجنوب وجهان، الأول ظاهر ومعلن عنه يتمثل في تبني الأحزاب والتعينات السياسية والمناصب الوزارية للتحكم بالملف السياسي، أما الملف الاقتصادي والتجاري فقد عمد نظام صالح إلى محاربة رجال الأعمال الجنوبيين الذين استعصى إرضاخهم وإزاحتهم من خلال اتباع وسائل ضغط مختلفة عليهم لينتهي بهم المطاف إلى الإفلاس أو الهجرة إلى الخارج ليسلم بذلك الملف الاقتصادي والتجاري في الجنوب إلى رجال أعمال من أبناء تعز.

لتصبح بذلك دولة الظل هي المتحكمة في هذا الملف بعد أن قدمت لهم التسهيلات من قروض ومناقصات في أطر شكلية وقانونية تمكنهم من السيطرة الكاملة على الاقتصاد والتجارة والتحكم الكامل بموارد الجنوب من نفط وغاز وثروات وغيرها.
وهو ما أشارت إليه السياسية والمؤلفة الراحلة رضية إحسان الله في كتابها وثائق حرب الجنوب الصادر عام 1997م.

كل ذلك منحهم حق السيطرة على البنك المركزي بحسب الصفة القانونية المعطاة لهم والتي تمنحهم أيضاً التواصل مع المنظمات التجارية الدولية مثلما تمنحهم التحكم في الموانئ والسيطرة عليها بموجب ذات الصفة.
كذلك وبنفس الوتيرة سلم الملف الديني والتشريعي والقضائي والإعلامي والأمني في الجنوب.

أما الوجه الآخر للدولة العميقة في الجنوب فهو الوجه الخفي وغير المعلن عنه وهو المتمثل في حرب الخدمات من كهرباء ومياه ونظافة وصحة وغيرها، وهو ما يؤكد اليوم الحالة المتردية للخدمات في العاصمة عدن إضافة إلى منع الرواتب وتأخيرها وانتشار الأمراض وهي الحرب الأكثر ضراوة التي تمارسها حكومة الشرعية والإصلاح عبر أذرعها في الدولة العميقة والتي تتماها في الشمال مع الحوثيين بينما تتعمد تضييق الخناق على الجنوبيين ومحاربتهم بقطع الخدمات والرواتب وإشعال الحرب في شقرة للدخول إلى عدن كل ذلك بعد أن فقدوا سيطرتهم العسكرية على الجنوب فعمدوا على استغلال ملف الخدمات لتنفيذ مخططاتهم في إنهاك المواطن الجنوبي وبالتالي قبوله لأي حلول من شأنها إصلاح الملف الخدمي وإن كانت مقدمة من طرف الشرعية.

ومع وجود العديد من المقترحات المهمة للوصول إلى حلول مختلف بشأن ملف الخدمات كالمقترح الذي تفضل به الصحفي ياسر اليافعي والذي سبق وتطرق لها رجل الأعمال والخبير الاقتصادي الجنوبي المهندس طاهر با وزير، كما تناولها أيضاً نائب الرئيس ورئيس الوزراء الأسبق المهندس خالد بحاح والذي أدرك حينها حجم المعضلة التي يمر بها الجنوب فتحدث بها في إحدى المؤتمرات بعد تحرير عدن، وذلك حول إحضار خبراء من الخارج تدير مؤسسات الجنوب وتنهض بخدمات عدن المتهالكة، إلا أن ذلك المقترح رغم أهميته إلا أنه لن يرى النور إلا بعد أن تسبقه عدة خطوات وهي ذات الخطوات التي من شأنها إنجاح تطبيق الإدارة الذاتية التي أعلن عنها المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن أهم تلك الخطوات هي دك وتفتيت الدولة العميقة من الداخل عبر اجتثاث رؤوس الفساد ومن يتبعهم في كل مؤسسات الجنوب واستبدالهم بكوادر جنوبية من ذوي الكفاءة والنزاهة وإتاحة المجال والفرص للشباب، إضافة إلى توفير الأرضية الصلبة لعودة رأس المال الجنوبي المتواجد في دول الخليج وأمريكا وشرق آسيا وشرق أفريقيا وغيرها، عبر توفير تطمينات حقيقية لعودتهم وإعادة صياغة القوانين الاقتصادية لتتناسب مع متطلبات دولة الجنوب القادمة.

لذلك فالصعوبات والتحديات الحقيقية التي يواجهها اليوم المجلس الانتقالي ليست في الإدارة الذاتية فحسب بل في تمكين البديل الحقيقي لها، فمعالجة الوضع على غير ذلك أشبه بتشييد برج عالٍ على أسس وأعمدة من القش وجدران من السعف.

*ناشطة حقوقية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى