> تقرير/ وئام نجيب

عندما يكون الإيمان بقضاء الله والرضا بالقدر خيره وشره حاضراً في النفس حينها فقط يحيا الفرد في سعادة وراحة بال حتى وإن كان يفتقر لأساسيات العيش الكريم، وهذا ما لمسناه في حياة المسنة كفاية حسن (سبعينية العمر)، والتي تؤدي عملها بتفانٍ في إخراج القمامة من منازل الساكنين بشارع الهريش بمديرية صيرة في العاصمة عدن. ملامح البؤس والشقاء التي ترتسم على محياها وعيناها الذابلتان، تروي مرارة الأيام وقسوتها، ومع ذلك لا يجدها من يلتقي بها إلا مبتسمة بشوشة راضية بما قضى الله لها، وبكل صبرٍ وتحملٍ تكابد صعوبة العيش لتتمكن من إعالة أسرتها الكبيرة.

قصة كفاح
تعيش كفاية حسن في صندقة بمديرية الشيخ عثمان، وتحديداً في منطقة نمبر 6 بجانب مسجد عمر بن الخطاب، بمعية اثنين من أبنائها وزوجتيهما وأحفادها والبالغ عددهم 14 فرداً من البنين والبنات، إضافة إلى ابنة أرملة.

وبحسب كفاية، يعمل أحد أبنائها في مجال بيع الأسماك على عربة "جاري" ويتحصل باليوم الواحد ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف ريال، بينما يعمل الابن الآخر منظفاً في أحد المستشفيات بعدن، وإجمالي ما يتحصل عليه في الشهر لا يتجاوز الـ 30 ألف ريال، يتم من خلاله شراء بعض حاجيات أبنائه الأساسية، مضيفة: "أما الحليب فلم يعرف أولادنا سوى شكله فقط، حيث إننا نعده لهم مخلوطا شبيها بالحليب من حيث المظهر، ويُحضّر من خلال خلط مسحوق من النشأ والسكر والماء، ونقوم بغليه على الحطب الذي نعتمد عليه في طهي الطعام؛ لعدم امتلاكنا لأي أجهزة أساسية أو كمالية".

وتضيف شارحة تفاصيل قصة كفاحها ومعاناتها لـ«الأيام» قائلة: "اعتدت منذ ستة أعوام المجيء في صباح كل يوم إلى بمديرية صيرة، واتخذت من شارع الهريش موقعاً للبحث عن الرزق من خلال إخراج القمامة من المنازل ووضعها في مواقعها المخصصة.. أتحصل في مقابل ذلك على مبلغ مالي وقدره 20 ألف ريال شهرياً، أي ألف ريال عن كل بيت، وجرت العادة أن أخصص عشرة آلاف، أي نصف المبلغ الذي أتحصل عليه، كإيجار "بقعة" الصندقة التي أقطن فيها، والمبلغ الباقي أشتري به زيتا ورزا ودقيقا"، مضيفة: "كما أقضي المتطلبات اليومية للساكنين في الحي ذاته من السوق بمقابل 200 أو 300 ريال، كما أعمل في تنظيف البيوت في حال طلبوا مني ذلك، ويشهد الله بأنني لم أشترط أي شيء مقابل خدمتي لهم وأترك لهم تحديد ذلك، وقلة حيلتي هي من حالت دون مقدرتي على فتح حساب شهري لدى مالك البقالة القريبة منا، ولهذا فوجباتنا المستمرة هي الخبز مع الشاي أو الماء ومنه نؤكّل أطفالنا أيضاً".

الحنين للماضي
عاشت المسنة كفاية في الأعوام السابقة لمحنتها ومعاناتها في منزلها ولم تكن حينها تعرف الشارع، كما تقول، بسبب تكفل زوجها بمتطلبات الأسرة قبل أن يوافيه الأجل منذ ستة أعوام نتيجة مشاكل في القلب، بالإضافة إلى أمراض مزمنة أخرى.
وتتابع قائلة: "كان يعمل في معصرة للجلجل، ويتقاضى أجرته بشكل يومي، ولكن بعد وفاته بدأت رحلة الشقاء والتعب".

وعن كيفية قضاء أيامها في ظل هذا الوضع، أجابت: "كله مكتوب من الله، وما هو لنا سوف أجده يا ابنتي، واعلمي أن ربنا ينزل البرد بقدر الدفاء".

ظروف صحية
وعلى الرغم مما تعاني منه بسبب كبر السن والظروف الصحية إلا أنها تعمل بكل جد في طلب الرزق الحلال وتوفير ولو جزء بسيط من الحاجيات الأساسية والضرورية للمعيشة.
وبهذا الخصوص تقول: "أنا مصابة بمرض الربو ولهذا أعاني من صعوبة في التنفس خاصة أثناء تنظيفي السلالم المرتفعة والتي توجد في معظم البيوت، حينها لا أستطيع المواصلة قبل أن أخرج للهواء الطلق لأستعيد أنفاسي مرة أخرى، أما العلاج فلم أتمكن من شرائه فما أتحصل عليه من مبلغ زهيد أخصصه لإطعام أسرتي".

وتشير كفاية حسن في سياق حديثها لـ«الأيام» إلى أنها فضلت العمل في مديرية صيرة (عدن القديمة) على وجه التحديد من بين مديريات عدن الأخرى، لِما وجدت فيها من طيبة وجود أهلها الذين لا يبخلون عنها بشيء فضلاً عن عطفهم المستمر ومعاملتهم الحسنة لها".. وتضيف: "كما أني أشكر الله الذي منّ عليّ بجوده وكرمه بأن سخرّ لي محبة الناس والذين دائماً ما يمدونني بما تيسر من الطعام والاحتياجات الأخرى.. فأنا وأسرتي نعيش بخيرهم".

حالياً كل ما تتمناه المسنة كفاية حسن هو أن يسخر لها الله عز وجل فاعل خير يمدها بمبلغ شهري بسيط، لتتمكن من البقاء في منزلها وعيش ما تبقى لها من أيامها معززة فيه وبين أفراد أسرتها.
وتحظى كفاية بمحبة أبناء الحي الذين اعتادوا على مجيئها كل يوم وباتت بمثابة فرد منهم، وفقاً لإفادة القاطنين في الحي لـ«الأيام»

وتمتلئ العاصمة عدن بالكثير من أمثال المسنة كفاية، يعملون في أعمال متفرقة منها الشاقة وتحت حرارة الشمس الحارقة، في سبيل الحصول على القليل من المال ليبقيهم على قيد الحياة وحسب.