قصة قصيرة.. ليالي الريف

> معاذ مدهش الشرعبي

>
في إحدى المحافظات اليمنية وسط قرية "المحطاب" المعروفة فيها زراعة القات بشكل كبير، كان الوقت ظهراً والشمس تلفح الأرض بلهيبها، خرج الحاج "مُسعد" من منزله كالعادة ليتفقد مزرعة القات التي لم تُقطف بعد، أخرج النظارة التي مازال يرى بها رغم الكسور الذي على زجاج العدستين، حملق في أغصان القات تفاجأ بحشرات تجتاح المزرعة، فهرع نحو "الديمة" فقام بتحضير المُبيد الحشري وعبأه في المكينة وبدا يرش القات بالسم إلى أن بَلّه بالكامل وعاد إلى البيت منهار القوى.

وعند المساء اشتدت عتمة الليل بالقرية وانطفأ آخر بصيص لأضواء الفوانيس، بينما الطالب أسعد ابن الحاج مُسعد أتى من المدينة إلى القرية بعد سفر تعطل فيه محرك السيارة فكان سبباً لتأخره، طرق باب بيتهم بأناة ولم يُفتح له، هرع نحو مزرعة القات ليبيت هناك وتفقد أغصان القات بضوء ولاعته فوجده مخضراً وشهياً. أعد مدكأ بجانب "الديمة" وقطف القات مع نسمات الليل الباردة وبدا يمضغه بنهم ورغبة، بعد دقيقة شعر براحة أنسته عبء سَفره.

طافت برأس أسعد أغنية لأم كلثوم سمعها في المدينة (أين من عيني حبيب ساحر فيه نبل وجلال وحياء.. واثق الخطوة يمشي ملكاً، ظالم الحسن، شهي الكبرياء).
في أوج ذلك الإحساس الذي كان يخفق قلب أسعد به بدأ سم القات يتوغل في أمعائه لحظات وأسعد يلتوي كرقاص أفريقي. حاول جاهداً أن يتقوى لكن دون جدوى، صاح بأعلى صوته "وابه" واماه" رددت صراصير الليل بعده بنفس الصوت ثلاث مرات، سُمع دوي صوته يجوب القرى المجاورة إلا قريته كانت في سبات عميق، وفي الصباح عُثر عليه جثة يابسة بجانب الديمة، حضر حكيم القرية، أي الطبيب، وفتح عينيه بيديه وقال بملء فمه: "جدمه حنش".​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى