الأم أعرق المدارس

> حسين الفروي

> لقد كانت المرأة العربية القديمة مدرسة فعلا، فهي تسمع أطفالها منذ نعومة أظفارهم الكلمات الفصيحة؛ ليتذوقوها ويناموا على موسيقاها، وتبعد عن أسمعاهم الكلمات النابية.

كانت المرأة العربية تغرس في أولادها القيم المتوارثة، تلك المثل العليا الأخلاقية والاجتماعية للإنسان العربي في الجاهلية، ومنها الحلم والصبر والعفو عند المقدرة والكرم وغيرها. وكانت تعلم أولادها أداب السلوك في البيت وخارجه، وتقوم لسانهم، وتفصح بيانهم وتعلمهم التواضع واحترام الآخرين.

فقد تعلم حاتم الطائي الكرم من أمه التي كانت المثل الأعلى في العطاء والسخاء، وهي عُتبة بنت عفيف، التي كانت لا تدخر شيئا، ولا يسألها أحد شيئا فتمنعه، حتى حجر عليها إخوتها ومنعوها مالها فسكتت دهرا لا يدفع إليها شيء منه، حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من أبلها، أي قطعة من الإبل ما بين العشرة والعشرين، فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها في كل سنة، فقالت لها دونك هذه الصرمة فخذيها، فو الله، لقد عضني من الجوع ما لا أمنع معه سائلا أبدا.

ولا شك أن وصية الأم لابنتها قبل زواجها هي نموذج حي لما تزرعه الأم في نفس أبنتها من قيم موروثة للعناية في بيت الزوجية وحماية الأسرة من التشرد والتشتت، ولعل وصية أُمامة بنت الحارث لابنتها قبل الزواج مثل يقتدى به في تاريخ العربي القديم. قالت لها: أي بنية، إنك فارقتي بيتك الذي منه خرجتِ وعشك الذي فيه درجتِ إلى رجل لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه.

فكوني له أمة يكن لك عبدا، واحفظي له خصالا عشرا يكون لك ذُخرا، أما الأولى والثانية، فالخشوع له والقناعة وحسن السمع له والطاعة، وأما الثالثة والرابعة فتفقد موضع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح، وأما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، وأما السابعة والثامنة فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير، وأما التاسعة والعاشرة فلا تفسدي له أمرا ولا تفشي له سرا، فإنك إن خالفتِ أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهتما والكآبة بين يديه إذا كان فرحا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى