مجتمع يدمر نفسه بلا بصيرة

> ثمة قوى تدفع بالمجتمع إلى الهاوية وتدأب بقوة لنقله من الحالة الاجتماعية إلى الحالة الغرائزية البدائية ليأكل نفسه بلا بصيرة.
في وضع اللادولة، فقد المجتمع التوازن وطحنته الحروب والفوضى والفساد والأمراض وأضحى المجتمع يدمر نفسه في فضاء غيبوبة الوعي والفوضى والقطيعة والتهاجر.

إننا نسير فوق أسلاك خطرة يسود فيها "حرب الكل ضد الكل" - حسب تعبير المفكر الإنجليزي توماس هوبز (1558- 1679م)- حيث يكون عنوان المجتمع القتل والحرب والرعب والفوضى والترجرج والفتن وعدم الاستقرار والتفلت، و يكون الإنسان عدوا لأخيه الإنسان، والسمك الكبير يأكل السمك الصغير،  والقوي يلتهم الضعيف، جاهل يتسيد على المتعلم، وتتعاظم قوة وجبروت العصابات والسراق وعتاولة الفساد، وتنكسر شوكة العدل وترسخ أقدام الصلف والوقاحة وقلة الوفاء وكثرة التجبر ويختلط الغليظ بالغليظ.

في مجتمع اللادولة تنهار البنية التحتية والبناء الاجتماعي والمؤسسات والقوانين، وتدمر الصناعة والزراعة والتجارة والثقافة والتعليم والقيم الاجتماعية، والناس في هذا المجتمع:
"يكثر منهم الفسق والشر والسفسفة والتحيل... فتجدهم أجرياء على الكذب والمقامرة والغش والسرقة والفجور".عبدالرحمن بن خلدون.

وفي غميس هذا الواقع المتلاطش يتم قطع الرواتب والماء والكهرباء وتعميق التشظيات والهوس اللاعقلاني وصراعات القبائل والفصائل والطوائف والعشائر والمذاهب وتصعيد النعرات العنصرية وتحويل حياة البشر إلى جحيم لا يطاق، فسوسيولوجيا حياتهم اليومية تئن بلحن حزين، بلا أمن، بلا خدمات، بلا غذاء، بلا كساء، بلا دواء، مع فقدان المعايير "حالة الأنومي" التي تحدث عنها عالم الاجتماع أميل دوركايم (1858-1917م)، عندما تسود الغرائز وتنهار الضوابط وتتفكك صواميل العلاقات الاجتماعية.

القطع المتعمد لرواتب العسكريين والمدنيين المتقاعدين يعني تحويل هؤلاء إلى كائنات تهدد السلم الاجتماعي، ولربما يتحول رهط منهم إلى لصوص وقطاع طرق ومتسولين، وقد يؤدي الأمر ببعضهم إلى العزلة والأمراض العضوية والنفسية أو الموت أو الانتحار، وتحويل الشامخين إلى كائنات خانعة وجبانة تركع تسجد للأنذال.
"نحن نقتل الجميع يا عزيزي، البعض بالرصاص والبعض بالكلمات، والجميع بأفعالنا، نحن نقود الناس إلى قبورهم، من دون أن نرى ذلك أو نشعر به" مكسيم جوركي.

لقد تمادى أهل السفه والجور في غيهم وفي تكسير عزة المواطنين:
"لأنك تسامحهم دائما لا يشعرون بأخطائهم!
ولأنك تبادر دائما ينسون
ولأنك مهتم كثيرا يهملون
أحيانا صفاتك الجميلة سبب مشاكلك" محمود درويش.

قطع رواتب العسكريين والمتقاعدين يعني دفعهم بقوة صوب العنف المادي والمعنوي، دفعهم صوب سلوكيات متناشزة مع الثقافة والعادات والتقاليد الحميدة، يعني تحطيم آدميتهم وقتل الكبرياء في نفوسهم في فضاء الخراب النفسي والأخلاقي والحياتي الشامل.
في مجتمع الفوضى والجهل والتهميش أو كما يسميه عالم الاجتماع آلان دونو "نظام التفاهة"، سيطر التافهون:
"اختل العالم تماما، فأصبح الجاه والرفعة من نصيب اللصوص، والذل والبؤس من نصيب الشرفاء" محمود مصطفى.
وأصبح "اللص العادي تطارده الشرطة، واللص السياسي تحرسه الشرطة" يوسف مكي.

فالشرفاء يعملون بجد وبضمير مهني وإنساني ولا يحصلون على رواتب ومكافاءات،  وآخرون يسرقون وينهبون وينعمون بخيرات المجتمع ويحصلون على رواتب وهبات وعطايا من أكف تريد إغراقهم في الفساد والرذيلة وتوطين الكسل واللامبالاة والعته والتشرنق والتكلس العقلي والروحي والحياتي لتخدير العامة؛ لكي تتمكن في نهاية المطاف من التهام الكل في ظل "حرب الكل ضد الكل".​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى