زيدان يتألم.. فهل يتعلم ؟

> محمد العولقي

>
محمد العولقي
محمد العولقي
* خيمت سحابة شك داكنة على حاضر فريق ريال مدريد الإسباني، بعد أن لقي حتفه أوروبياً على يدي فريق مانشستر سيتي الإنجليزي في ثمن النهائي .. إذ لم يكد المدرب زين الدين زيدان يحرر الاستعصاء من قيوده محلياً، حتى تأكد من وعورة اللعب أوروبياً بدون لاعب ملهم يدير العرض، كما كان الحال سابقاً مع زيدان اللاعب ومن بعده الهداف التاريخي كريستيانو رونالدو.

 * وقبل أن يصب المدريديون جام غضبهم على رافائيل فاران ويلقون به حطباً في محرقة مانشستر سيتي، عليهم أيضاً توجيه أقصى درجات ردود الأفعال الغاضبة نحو زيدان الذي فشل فشلاً ذريعاً في معركته التكتيكية مع بيب جوارديولا، ففي ظل قناعته بأن البلجيكي آدين هازارد يمكنه أن يقود السيرك ويدير العرض، تناسى كل حالات الطوارئ التكتيكية، معتقداً أن الحماس وحده يمكن أن يعوض الفارق الفني والتكتيكي مع مانشستر سيتي.

 * وفي ظل طقس ملكي متقلب الأهواء على مستوى الخيارات الفنية، افتقد ريال مدريد للبوصلة والربان فقد ترك زيدان مركب فريقه في ملعب الاتحاد لطوفان مانشستر سيتي يعبث به كما يشاء، دون أن يجرؤ على رمي طوق النجاة للاعبيه تكتيكياً مفضلاً مشاهدة طبخته التكتيكية المحروقة شأنه شأننا .. أزعم أنني أتكئ على خبرة في قراءة ماضي ريال مدريد أوروبياً بالذات، وهو أمر يعني أن زيدان تخلى عن قاعدة يعرفها عمال سيرك والت ديزني : لا بد للاعب مختلف فكراً يدير العرض في الوقت المناسب، وعندما تتعقد الأمور.

  * لو قرأ زيدان وفلورنتينو بيريز رئيس النادي تراث ريال مدريد السابق، لتيقنا أن خروج ريال مدريد من بطولته المفضلة مبكراً بهذه الصورة المؤسفة شيء طبيعي ولا يبعث على الغرابة أو الدهشة ، فعناصر الريال الحالية بلا قائد عرض، وبلا مؤهلات فنية وتكتيكية كبيرة تصنع الفارق، كما كان يفعل في الستينيات قائد العرض الفلتة (ألفريد ديستيفانو)، وكما كان الحال بعد ذلك مع الدون كريستيانو رونالدو.

 * ساهمت خبرة بيب جوارديولا في قراءة محتويات ريال مدريد بصورة مثالية لا غبار عليها، ولأن بيب كان يثق في حمولته الفنية قبل التكتيكية، فقد كان واقعيا وهو يؤسس تشكيلته على شاكلة 3 - 3 - 4 ، وهي نفس شاكلة زيدان، لكن الفارق بينهما أن جوارديولا منح شاكلته المرونة التكتيكية المطلوبة التي تعتمد على الضغط الكلي على لاعبي ريال مدريد من منطقة دفاعهم وليس من الثلث الهجومي بعكس زيدان الذي كان يراهن نفسياً على تميمة حظه في دوري الأبطال وبطريقة تقليدية ليس فيها ذرة واحدة لأي خبث تكتيكي.

 * حرص جوارديولا على تفعيل شاكلة فريقه من منطلق استغلال عاقل ومتزن لمهارات لاعبيه، في ظل وجود مايسترو رفيع المستوى مثل كيفن دبروين، وهو قارئ جيد لوسط الميدان أسدى خدمة جليلة لشاكلة فريقه من حيث القدرة على تنويع أساليب اللعب والمناورة من جهة، كما أن الاعتماد على دبروين كقوس ينطلق منه سهم الهجوم الصاعق منح ارتكازي الوسط رودري وجوندوجان فرصة لحماية عمق دفاع السيتي البطيء من متغيرات الخصم من جهة أخرى.

 * وما كان للأخطاء البدائية أن تظهر على لاعبي الريال بهذه الصورة الدراماتيكية المؤلمة، لولا أن أشبال جوارديولا أجادوا حقيقة أسلوب الضغط العالي، وهو مؤشر يدل على أن معدل الطراوة البدنية عند اللاعبين كانت مرتفعة .. فهل كان زيدان لا يعلم أن عمقه الدفاعي في غياب سيرجيو راموس - منقذ الفريق الملكي في لا ليجا - شذر مذر من منطلق أن صيغة التفاهم بين فاران وميليتاو معدومة؟ إذا كان يعلم حجم هذه الكارثة منذ البداية، فلماذا لم يحم عمق الوسط بمحورين وليس محوراً واحداً؟

 * مشكلة زيدان تكمن في قناعاته الفنية وليس التكتيكية، فهو يؤمن تماماً أن كاسيميرو قطعة غيار تحل كل مشاكل الفريق في وسط الميدان ، ولم يعمل حساباً لكل حالات الطوارئ في مباراة مصيرية (الخطأ فيها ممنوع)، فالبرازيلي كاسيميرو العمود الفقري لشاكلة زيدان عندما يخرج عن نطاق الخدمة ويفقد تركيزه يتوه الريال تكتيكياً ويسقط في مغارة شك (الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود) .. نقطة أخرى يعرفها كل فرسان الحذق التدريبي، كان زيدان في أمس الحاجة إلى سلاح السرعة لاستغلال ثغرة العمق بين لابورت وفرناندينو، وكان فينيسوس جونيور هو الرجل المناسب لشغل الجهة اليسرى بدلاً من (الميت هازارد)، فلماذا الرهان على جواد خائر القوى؟

 * أبدع جوارديولا في توظيف لاعبيه تكتيكياً وفنياً خصوصاً خط الوسط المتناغم الذي عكس قدرة فريقه على تغذية أسلوب لعب بوهج الضغط العالي، في مفاجأة لم يحسب لها زيدان أدنى حساب .. كان جوارديولا يعلم نقاط ضعف الريال مثلما يعلم بنقاط ضعف فريقه، وهو عندما لعب بواقعية قدم لعمق دفاعه دعماً لوجستياُ من لاعبي الوسط، حيث لعب بمحوري وسط دفاعي رودري وجوندوجان، وهذا هو السبيل الوحيد لردم هوة التنافر بين لابورت وفرناندينو.

 * قلت من قبل أن الجزئيات الصغيرة ستصنع الفارق بين الفريقين، ولو أضفنا إلى هذه البديهية حقيقة السذاجة التكتيكية لزيدان سنكون أمام مأساة كروية من الوزن الثقيل .. نعم .. عندما تخوض مباراة من هذا الوزن ولكي تعدم الجزئيات الصغيرة في مهدها، يجب بل ويلزم أن يكون تركيز اللاعبين 300 في المائة، وهذه النسبة العالية تعني أن على الفريق أن يكون في أعلى منسوب بدني ممكن، فالتركيز يستمد واقعيته وحضوره من المعدل البدني، وهنا كان لاعبو مانشستر سيتي في (حالة ذهنية ممتازة) لأنهم عرفوا كيف يغلقون المساحات بعملية ضغط رهيبة على مدار تسعين دقيقة كاملة، وهذا مؤشر يدل على أن الوعي التكتيكي للاعبين أنتج خيارات كثيرة، كلها تؤدي نحو شباك كورتوا.

 * بدون أدنى مبالغة لعبت رتابة وسذاجة زيدان دوراً محورياً في تآكل الفريق من كافة النواحي الفنية والتكتيكية والنفسية، هذا لأن مفكرة زيدان جمعت بين العجز والإفلاس معتقداً أن إرثه الكبير في دوري الأبطال (تميمة حظ) يمكن أن تقصي فريقاً واقعياً مثل مانشستر سيتي .. ظل جوارديولا طوال عشرة أيام قلقاً من الريال ما بعد كورونا ، لم يكن يتوقع أن يظهر الريال بهذا الوجه الشاحب المليء بالعيوب البدنية والتكتيكية .. فقد أضاع زيدان السيطرة على فريقه، وحتى عندما حاول إصلاح ما أفسدته خياراته الغريبة تأخر كثيراً في معالجة الأخطاء، فجاءت تبديلاته تحصيل حاصل، لا تقدم ولا تؤخر، ولا تضخ في جسد الشاكلة المترهلة لتراً واحداً من الحيوية.

 * أتحفنا زيدان بنظرية جديدة، فبالإضافة إلى أنه حرم فريقه من السرعة المطلوبة على الرواقين، جاءت تبديلاته قبل نهاية المباراة بسبع دقائق لاستنزاف الوقت، وكأن الخروج مهزوماً بهدفين لواحد نتيجة ليست كارثية .. وعندما كان زيدان يبني تصوراته على هازارد الميت وغير الجاهز بدنياً ونفسياً، كان في الواقع يقتل الإيقاع (إيقاع سرعة الامتداد والارتداد)، وكان الأحرى به الدفع باللاعب السريع فينيسيوس جونيور على الأقل مع بداية الشوط الثاني، لمنح الشاكلة القاتمة سرعة رد الفعل هجومياً.

 * عانى لاعبو ريال مدريد من إعياء ذهني غير مفهوم، وعندما يفقد لاعب خبرة مثل (فاران) تركيزه بعد 9 دقائق فحسب، ويسقط ضحية لأسلوب (الضغط العالي)، الذي مارسه بذكاء لاعبو مانشستر سيتي مرتين وليس مرة، فهذا يعني أن زيدان ضحى بكل الخيارات التكتيكية لمصلحة الشحن النفسي الذي زاد عن حده فانقلب إلى الضد.

 * يحتاج زيدان إلى مشاهدة المباراة كل يوم منفرداً، ليتأكد أنه (المذنب الأول في خروج الريال خالي الوفاض أوروبياً) ، ولا بأس أن يتألم زيدان بينه وبين نفسه ليتعلم من الأخطاء التكتيكية التي وقع فيها فبدون شك هناك فارق كبير بين (مباريات لاليجا) ومباريات دوري أبطال أوروبا في مرحلة لا تعترف بأنصاف الحلول ، فقد ظهر ريال مدريد بحاجة ماسة إلى لاعب يدير العرض أوروبيا من (نوعية نيمار) بعد أن طوى صفحة كريستيانو رونالدو إلى الأبد، فهل يعي زيدان هذه الحقيقة أم سيظل مخلصاً لـ (حرس قديم) ، ليس فيهم لاعب واحد قادر على إدارة العرض، كما كان يفعل الربان رونالدو؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى