إخفاء قسري وتعذيب.. مواطنة: 2375 وقيعة احتجاز وإخفاء خلال 4 أعوام

> «الأيام» غرفة الأخبار

> سلطت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان الضوء على قصة مراد الموافي كنموذج لوقائع الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري الذي تناولته في تقريرها المعنون بـ "في العتمة: وقائع الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب في مراكز الاحتجاز غير الرسمية في اليمن".

فبعد عامين من الإخفاء القسري والبحث المتواصل تلقت أسرة مراد الوافي في أغسطس 2019 اتصالاً هاتفياً من صنعاء يبلغهم بالحضور لاستلامه، ففرحت العائلة بالخبر، وبسرعة انطلق شقيقه إلى صنعاء بهدف استلامه والعودة به إلى عائلته التي اكتوت بنار البعد والحيرة. لكن فرحته انهارت فجأة عندما رأى أخاه جسداً بين الحياة والموت.

ظهور مراد كشبح بجسد نحيل خائر القوى جراء المرض والتعذيب الذي بدت آثاره واضحة على جسده، وقتل فرحة اللقاء في عيني أخيه، إذ إن جماعة الحوثي أطلقت سراح مراد نتيجة إصرار الطبيب على ضرورة تسليمه إلى عائلته لإصابته بتليّف الكبد وتدهور حالته الصحية حسب رواية أخيه لـ "المشاهد".

ومنعت الجماعة أسرة مراد من زيارته أو التواصل معه أو معرفة مكان احتجازه طوال العامين اللذين تعرض فيهما لصنوف التعذيب الجسدي والنفسي من ضرب مبرح وصعق كهربائي وتعليق في السقف وحرمان من النوم إلى جانب التهديد والإساءات اللفظية بداية من معتقلات مدينة الصالح في الحوبان بمدينة تعز حتى وصوله إلى سجون جهاز الاستخبارات والأمن في صنعاء.

وبحسب تقرير مواطنة، فإن حالة مراد الوافي واحدة من (1605) وقائع احتجاز تعسفي، و770 واقعة إخفاء قسري، و344 واقعة تعذيب، منها 66 واقعة وفاة في أماكن الاحتجاز غير الرسمية لدى مختلف أطراف النزاع في اليمن، خلال الفترة من مايو 2016 إلى أبريل 2020، كما أن هناك 11 مركزاً غير رسمي يتم فيهم احتجاز تعسفي وإخفاء قسري وتعذيب.

وسجلت جماعة الحوثي أعلى عدد من الانتهاكات بلغت 904 وقائع من الاحتجازات التعسفية أو المسيئة، و353 من وقائع الاختفاء القسري، و138 من وقائع التعذيب، منها 27 واقعة وفاة، فيما تتحمل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً المسؤولية عن 282 من الاحتجازات التعسفية أو المسيئة، و90 من وقائع الاختفاء القسري، و65 من وقائع التعذيب، منها 14 واقعة وفاة.

ويُحرم الأفراد المتعقلون من حقوقهم الأساسية ابتداءً من القيض عليهم دون أمر قضائي وخضوعهم للاحتجاز دون سبب محدد، وانتهاء بمنعهم من حق المثول أمام قاض أو استشارة محامٍ أو الطعن في احتجازهم، بينما يخضع بعضهم لمحاكمات شكلية لا ترقى إلى مستوى العدالة، حسب المنظمة.

وتوضح منظمة هيومن رايتس ووتش أن الأطراف المتحاربة في اليمن كالحوثيين احتجزت تعسفاً عشرات الأشخاص وعذبتهم، وأخفتهم قسراً. ومع تعدد الجماعات المسلحة ومراكز الاحتجاز غير الرسمية يتفشى سوء المعاملة والظروف السيئة، والإجراءات القانونية محدودة، ويحرم المعتقلون من الرعاية الطبية، وهو ما تؤكده تقارير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، التي تشير إلى صنوف من أشكال التعذيب والممارسات القمعية واللاإنسانية التي تطال المخفين والمعتقلين تعسفياً، بسبب انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو المهنية أو لنشاطهم السلمي.

ورصد تقرير رابطة أمهات المختطفين أبرز المنظمات التي برزت من وسط ألم الاختطاف والإخفاء، ونظمت العديد من وقفات الاحتجاج والأنشطة المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والمخفيين، "سجن حنيش" 262 سجناً ومكان احتجاز، منها 244 تابعة لجماعة الحوثي، ونحو 12 ألفاً و636 مختطفاً ومخفياً قسرياً، يتوزعون على 20 محافظة يمنية، وكان لجماعة الحوثي نصيب الأسد في عدد الانتهاكات.

ويترتب على الإخفاء القسري ارتكاب جرائم بشعة وانتهاكات جسيمة تجاه الضحايا بعيداً عن عيون القانون، وتنسب إلى المعتقلين تهم قد يُجبرون على الاعتراف بها تحت التعذيب المفرط، وأبرزها ما يلقيه الحوثيون على ضحاياهم من تهم بالخيانة، والتخابر مع ما يسمونه العدوان على اليمن، وتحديد الإحداثيات، كما تتنوع أساليب التعذيب، حسب تقارير الخبراء والمنظمات الإنسانية والحقوقية، بين الاعتداء والإذلال الجنسي والتعرية من الملابس أو التهديد بالاغتصاب، ونزع الأظافر، والصعق بالكهرباء، والضرب المبرح بالعصي والأسلاك والزنازين الانفرادية الضيقة، والحرمان من النوم، والتعليق في السقف لساعات في بعض الحالات بشكل مقلوب، وكذلك يتلقون وعوداً بالإفراج عنهم، لكن بدلاً من ذلك يتم أخذهم إلى أماكن أخرى، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح قبل إعادتهم مجدداً إلى مكان الاحتجاز.

ولا تقتصر المعاناة على المخفي قسرياً، إذ تعيش عائلات المفقودين في دوامة من القلق والشك، وينفق أفرادها مدخراتهم لمعرفة مكان احتجازهم أو حتى إذا مازالوا على قيد الحياة، وعندما يُعرف مكان معتقل لا تستطيع أسرته الوصول إليه، ويتفشى في المعتقلات سوء المعاملة والظروف السيئة.

وبسبب كل تلك الانتهاكات الجسيمة سُنت قوانين وتشريعات تجرم الإخفاء القسري وكافة الأساليب المرتبطة بها، ومن أهم التشريعات "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري" التي اعتبرته جريمة خطيرة ضد الإنسانية، ووضعت في الاعتبار حق كل شخص في عدم التعرض لاختفاء قسري، وحق الضحايا في العدالة والتعويض.

ونصت المادة الأولى منها على أنه لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، وأكدت الفقرة الثانية من المادة أنه لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو تهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأي حالة استثناء أخرى لتبرير الاختفاء القسري. وشددت الاتفاقية على وضع الإجراءات كافة لتجريم الإخفاء ومعاقبة مرتكبي الجريمة.

يعد الإخفاء القسري ظاهرة قديمة ومتجذرة في اليمن، ومارستها الأنظمة القديمة في شطري البلاد التي اعتبرت الصوت والفكر المغاير عدواً لها، ووجدت في الإخفاء حلاً مناسباً لإسكاتها، وساعد غياب مبدأ التعايش بين الأفكار والنظريات وغياب الديمقراطية بمنظورها الشامل على توسع الظاهرة، والعقيد أمين القرشي، وزير التموين والتجارة الأسبق، ومدير عام جهاز الاستخبارات في الجمهورية العربية اليمنية سابقاً، إحدى النماذج لجرائم الإخفاء، حيث اعتقل في 1978 من منزله بصنعاء، واقتيد إلى معتقل الأمن الوطني بحنظل، وما يزال مخفياً حتى اليوم، رغم الكثير من وعود السلطة الحاكمة والرئيس السابق علي عبدالله صالح، لوزير العدل الأسبق إسماعيل الوزير، ونجله القاضي وضاح القرشي، بالإفراج عنه، حسب رواية المحامي معاذ القرشي أحد أقربائه لـ "المشاهد"، ويقول القرشي: "ما يؤلم حقاً أنه مع كثر ضحايا الإخفاء القسري في اليمن لم يحاسب واحد فقط من مرتكبي الجريمة، بل للأسف مُنح صالح وكل نظامه الحصانة التي تعد بمثابة اعتذار الضحية للجاني، وهذا انحدار لميزان العدل لصالح المجرمين"، موضحاً: "هناك فرق شاسع بين السجين الذي ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون، ووصل إلى سجن معروف مكانه، وتستطيع أسرته زيارته، وبين المخفي قسراً الذي يؤخذ دون مبرر، ولأسباب سياسية بحتة، ولا يعرف له مكان ولا يستطيع أحد زيارته، وليس له مدة إخفاء معينة، ويمكن أن يموت في مكان إخفائه فقط تحقيقاً لرغبة السلطة".​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى