إعدام ميت

> عبدالله عبده الصبيحي

> عندما أبلغه مدير المرفق الذي يعمل فيه بأنه قد أحاله إلى التقاعد، حيث إنه قد بلغ الأجلين خدمة وعمراً، لقد صدمته المفاجئة، فهو لم يتوقع إحالته للتقاعد المبكر حسب مفهومه، فبكى بكاءً شديداً، لأنه سيفارق زملائه العمال، وسيغادر المرفق الذي عمل فيه خمسة وثلاثين سنة، والذب قد أفنى زهرة شبابه فيه.
لقد كان متفانياً ومخلصاً في عمله، وذلك في سبيل رفعة وطنه الغالي، وها هو بعد طول هذه السنين العجاف صار لا شيء في هذه الحياة. أصبح وهماً تائهاً كبير النواد.

فقد زرعوا بهذا المتقاعد الأسى في درب حياته، وأصبح يرتشف الهموم والأحزان، ولسان حاله يقول لماذا في هذا الوقت بالذات؟، لأنه كان ينتظر زيادة في راتبه، وقد أحالوه للتقاعد براتب لا يتعدى ثلاثين ألف ريال يمني فقط، وخلال خمسة عشر عاماً مضت ارتفعت رواتب زملائه والمستجدين من العمال في المرفق الذي كان يعمل فيه إلى مبالغ خيالية، فالواحد منهم أصبح يتحصل على مائتين وخمسين إلى ثلاثمائة ألف ريال يمني، وطيلة خمسة عشر عاماً لم يرفعوا راتبه إلى ريال واحد، بل لا زال ثلاثين ألف ريال فقط.

فالأسقام قد غزت جسده وهدت جسمه النحيل، كالسكري المزمن والضغط المرتفع، وأصبح غير قادر على شراء الأدوية نتيجة ارتفاع أسعارها، ففي هذا العام 2020م قد ارتفعت أسعار الأدوية والسلع الضرورية بشكل لا يصدق، لقد حكموا على المتقاعد بالموت البطيء أو أعدموه حياً، وذلك نتيجة عدم إعادة النظر في راتبه الضئيل وتحسين ظروفه المعيشية وكبح جماح الغلاء الجنوني، ومن شدة المعاناة مات المتقاعد المسكين، مات مظلوماً ومقهوراً ومغلوباً على أمره، لقد كانوا هم والغلاء الفاحش المشيون السبب في إعدام ميت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى