لا شال المعلم ولا سنارة الصياد

> معاذ مدهش الشرعبي

>
معاذ الشرعبي
معاذ الشرعبي
فيما مضى كنت أعشق مشاهدة الصيادين وهم يعودون من البحر، وأظل أبحث بشغف في التلفاز عن القنوات التي تبث تقارير مصورة عن البحر والأسماك، كان يخيل لي أن ما يقومون به نوع من التسلية والمغامرة المليئة بالسعادة والاكتشاف، ولا أخفي عليكم الأسئلة التي كنت أضجر بها العائدين من المناطق الساحلية، وخاصة أولئك الذين يعودون بصور للبحر في هواتفهم، هل رأيتم الصيادين؟ وأسئلة كثيرة مملة من هذا القبيل. أنتبه إلى أنني إذا كنت أمقت العيش في القرية، فذلك بالتأكيد لعدم وجود بحر فيها.

وذات يوم خرجنا مع مدرس الصف رحلة إلى "حمام رسيان" بحيث أنه المنتزه الوحيد هناك، ربما كنا في الصفوف الابتدائية آنذاك، ما أن رأيت الأسماك الصغيرة وسط الأحواض المائية كدت أجن، إذ سيتحقق ما أحلم به، أخذت شال الأستاذ بعد مهاترة بيننا وأقسمت له أني سأرجعه كما كان، ثنيت الشال على صدري وغطست في الماء الراكد باحثاً عن الأسماك على طريقة الصيادين، تغير لون الماء وفاحت منه رائحة روث المستنقعات ولم أفلح بأي عالق سوى الطحالب الخضراء، عاودت المحاولة بطريقة السنارة ولم أفلح أيضاً، رجعت خائب اليدين.

وفي اليوم التالي توجهت نحو بائع "الوزف" أخذت كمية منه وعدت بها إلى البيت، وضعت تلك الكمية في بئر القرية! خيل لي لحظتها أني زرعت السمك ويوماً ما سيكون بإمكاني الاصطياد. بعدها ظل أبناء القرية يدعون لمدة شهر على من فعل ذلك! لقد أفسدت الأسماك الميتة عليهم الماء.
بالأمس القريب سنحت لي الفرصة للقاء بحلمي الأول، رأيتهم عن قرب ورأيت حلمي معهم، أصواتهم جشة، ووجوههم شاحبة، حييتهم بشوق كبير.

يا رفاق البحر، يا حراس الماء لكم حلمت أن أصير صياداً مثلكم ولو ليوم واحد.. فوجئت برد باهت! لا شك أنهم ظنوا أني أسخر منهم، أو أن طريقتي كانت منرفزة نوعاً ما، لكن أحدهم استجاب لطلبي وأعطاني سنارة هامساً في أذني" البحر كالوطن لا يهبك ما تريد".
عدت من هناك كحال شباكهم التائهة، يعصف برأسي ألف سؤال، ما يقصد بكلامه، وما علاقة البحر بالوطن؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى