خمرنا الحلال

> معاذ مدهش الشرعبي

> يوم واحد من دون قات صرت شخصاً آخر غير هذا الكائن، فقدت أناي وأمضيت ساعات أبحث عن وسيلة تعيد لي واقعية الشعور الروتيني لكل ليوم. رغم أني لست من أولئك المتعلقين بالقات بشكل إدماني مجنون؛ لكني أتناوله كل يوم وأعتبره ثانوياً وباعتقادي أني قادر على تركه بأي لحظة أردت، فوجئت بذلك البؤس الأبدي الذي لا يطاق لسبب انقطاعي عنه، مضت الساعة الأولى المعتاد فيها القات بتكاسل رتيب. فتح الملل أزراره وشدني بعنف ليذكرني بمآسي الحياة الأزلية منذ خلق آدم إلى وقت موت دجاجي بالقرية.

لقد كابدت خلال أربع ساعات من المعاناة المعنوية مقدار ما يعاني الآخرون على امتداد سنة كاملة، أصبحت نظرتي تجاه الواقع سوداوية كئيبة هشة، لم يسبق لي أن شعرت بذاك الملل إطلاقاً، طافت بذاكرتي أفكار لطالما وجدت لها الحلول مع القات فمثلاً حزنت على والدتي لماذا تصحو عند الفجر لتجمع الحطب؟. صحيح أن السؤال يراودني كل يوم لكن القات يبرر لي أن كل نساء القرية يعانون مثلها؛ أما اليوم وصل الشعور حد البكاء. أحسست نفسي مكبلاً وسط ماسورة ضيقة، خائر القوى.

لا شيء يستحق الحياة يا محمود درويش من دون قات، لا رائحة الخبز في الفجر، ولا تعويذة امرأة للرجال، ولا أول الحب. الوقت مع الفراغ سيء للغاية، وخصوصاً بهذا الوطن الذي لا يوجد فيه أي وسيلة لتمضية الوقت. حتى ذلك الحلم الزائف الذي استمد منه طاقتي لمواجهة الخواء بهت وتلاشى بريقه فأصبح كلعبة بيد شاب كان يعتبرها مصدر سعادة له. القات ليس مشكلة بذاته، بل واقعنا معتم "ملعون" والقات دعامة ونافذة للبقاء.. القات خمرنا الحلال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى