المثقف الشريف

> م. خلدون شرف العامري

> المثقف الشريف، عصفور الثقافة اليمنية، لروحه فاتحة الكتاب، وتكبيرة المآذن، وصلاة العارفين.. عندما يكون محور حديثنا حول المثقفين الشرفاء تتجلى لنا همم ثقافية استفردتْ بإنتاجها الفكري الكبير ومجدها الأدبي النبيل على باقي الشخوص لتنال وسام الفخر والحضور، وقداسة الشرف والاقتداء في مقدمة التاريخ ومخيلة الأجيال.
فالشرفاء هم شخصيات نوعية انتصرت على غرور ذواتها فتملكتها هدى البساطة وخصال التواضع وجزيل العطاء في تواصلها مع مجتمعاتها دون أن يرهقها من أمرها عسر، هؤلاء هم الجوهر الحقيقي للإنسان الجدير الحق بصفة المثقف الشريف.

من هؤلاء النماذج شخصية ظاهرة فرضت نفسها على طاولة الذاكرة الحية. إنه الفقيد الأستاذ محمد سعيد سيف عصفور الثقافة اليمنية، رحم الله روحه التي لا تعوض ولا تولد مرة أخرى، رحم الله روحه التي عرفناها بطيب أصلها فغمرنا الحب بقربها، وبلا سابق إنذار أوجعنا القدر برحيلها يوم الخميس الماضي 19 نوفمبر 2020 عن عمر ناهز الـ 60 عاماً.

المثقف الشريف محمد سعيد سيف، واحد من رعيل الندرة، من أولئك القلة الذين يبذلون كل شيء حين يحجم الجميع، من أولئك القلة الذين يبسطون أيديهم حين تكون أيدي الكثيرين مغلولة.. ثقافياً عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، قاص وروائي وكاتب صعد نجمه مطلع الثمانينات طبعت له عدد من الأعمال أشهرها رواية "شارع الشاحنات"، ومجموعة قصصية بعنوان "تحولات الجدار"، إضافة إلى عدد من الأعمال التي نشرت في الصحف المحلية والعربية.

حاصل على عدد من الجوائز القصصية. مارس الفقيد أنبل مهنة مقدماً أقدس رسالة تربوية تعليمية لأجيال متعاقبة،، ويعزى نبوغه الأدبي لتخصصه الأكاديمي في اللغة الإنجليزية، الذي مكنه من تشرب صنوف الأدب الغربي في وقت مبكر.

مؤخراً وحين بلغ الشُح الثقافي في عطاء الجهات المعنية من أخمصها حتى عنانها، بادر لحمل راية التنوير، في الحجرية حاضرة الثقافة اليمنية ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي أنشأ عدداً من المنتديات الأدبية أبرزها: منتدى محمد عبدالولي حتى الرمق الأخير لم ينحسر عطاؤه الفكري وحراكه الثقافي الغزير وهو بذلك مكملاً الدور الثقافي الكبير، رادماً فجوة العجز والتقصير.

كمنجم يعطي النفيس من الجوهر، ولكل من عرفه كان مغنماً إنسانياً، تجشم عناء الانتصار للإنسان من خلال عضويته في لجنة متابعة المخفين قسراً، باذلاً ما بوسعه بمحبة وتفان منقطعين النظير. إنه إنسان فريد امتلأ بالحب عطاء واحتمالاً.. جبل من القيم، وكوكبة من المبادئ إنسان في زمن ندرت فيه الإنسانية.

اجتماعياً، متزوج وله سبعة أبناء (ملهم وصبري ومفيد وسعد وسعيد وأسماء محمد سعيد سيف الشيباني)، عصفور الثقافة اليمنية عُرف بالعطاء والتواضع من خلال زهده عن الشهرة وجشع الأنا. عاش عزيزاً، وحين داهمه السقم كتم شكواه وظل يكابد بصمت حتى لا يتسبب بالألم ولا يكلف أحدهم المغرم، وبهذا استحق بجدارة صفة المثقف الشريف.
المثقف الشريف تظل مآثره عالقة في خاصرة الذكرى عطاء وبهاء وسيرة عطرة، وتظل أفئدتنا تكابد عزاء وألم الفقد، وتعيش الحزن وارتعاش النبض. عصفور الثقافة أيها المثقف الشريف السلام عليك يوم ولدت، ويوم رحلت، ويوم تبعث حيا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى