محطات في ذاكرة لحج

> حبيب محمد علي

> الأستاذ عبد الصفي عبد الله بن عبد الله الساري، لم يدر بخلدي يوماً أن أكون أول من يكتب عن هذه الشخصية الفريدة والمتميزة تربوياً وثقافياً، وهو ما أعادني إلى النصف الأول من ستينيات القرن العشرين كأحد شهود لذلك العصر، أو كما تحلو تسميته بالزمن الجميل، فقد كان الأستاذ عبد الصفي، أحد أبناء هذه الأرض الطيبة الذي ارتبط اسمه بتاريخ أول مكتبة ثقافية عامة أوكلت إليه مهمتها وتحت إدارته في خمسينيات النصف الثاني من القرن العشرين تحت مسمى "غرفة المطالعة والنشر" ولتتخذ لها مقراً متواضعاً تحت دار الشيخ المنتصر رحمه الله، ولتكوّن بحكم قربها من المدرسة المحسنية الأم رافداً ثقافياً وعلمياً للطلاب والمعلمين المصريين والسودانيين، وكذا عامة الشعب، حيث إن المكتبة تحوي أمهات الكتب والمراجع الأدبية والثقافية والعلمية، بالإضافة إلى الصحف المحلية الأسبوعية منها، واليومية كصحيفة "تبن" و"اليقظة" و"الأيام"، ولعل رفد المكتبة بجهاز راديو أو مذياع بعد افتتاح إذاعة عدن في عام 1954، قد أسهم من خلال الاستماع إلى فهم عادات وتقاليد وثقافات الشعوب.

ذلك ما أهله بتحمل المسؤولية باقتدار بالرغم مما واجهه في حياته من منغصات وأحزان في مسيرته النضالية.

إبان فترة الاحتلال البريطاني وهي مرحلة التحرير، ولم يكن عبد الصفي، رحمه الله، استثناء شد عن تلك القاعدة الشعبية رجالاً ونساء كما علمها الجميع وسجلها التاريخ، وقد شاء الله أن يخرج من السجن ويشهد بنفسه بقية الفصول التي ما كان أحد يتمنى حدوثها، وأن لم تمس أياً من مكاسب الثورة ومؤسساتها الإنتاجية والخدماتية، وبعودته يكون قد اجتر كل أحزانه وإن كان أشدها وقعاً عليه هي تغييب حقيقة بقائه حياً عن أسرته.

ورغم ذلك لم ينطو على نفسه، بل أعاد لحياته، في خطين متوازيين، مواصلته لعمله الذي توقف عنه كموظف في الثقافة حتى العام 2001، وليكمل بعدها مسيرته العملية الطويلة في السياحة حتى العام 2005. ومن جهة أخرى، فقد عكف على رعاية أسرته واهتم كثيراً بتربية وتعليم أولاده.

وقد كان رحيله في العام 2006 فقدان أحد الكوادر الوطنية والثقافية كغيره من القامات التي أفردت لها صفحات في تاريخ لحج. وإذا ما نظرنا إلى المدرسة وأهميتها التربوية والتعليمية في بناء جيل متسلح بالعلم يؤدي دوره في المجتمع، فإن هذا لا يمنع من وجود مكتبة عامة كهذه، ارتأت فيه السلطة حينها صرحاً ثقافياً آخر يواكب العملية التعليمية المنهجية، فهي وإن أحسنت صنعاً بعمل كهذا، فإنها كذلك قد أصابت ووفقت في أن يكون الفقيد خير من يتحمل تلك المسؤولية الثقافية، وكأنها قدرة كعمل لازمه حتى تقاعده في 2006 رغم المتغيرات السياسية حتى تلك الفترة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى