عن الفساد التعليمي في المؤسسات الحكومية

> تسنيم المروني

> ما نوع الجيل الذي ستنشئه وتعلمه كوادر غير مؤهلة بشكلٍ كافٍ للتعامل مع الأطفال، والمراهقين؟ في ظل غياب الوعي والتربية الأسرية السليمة، وتفشي الفقر، وعدم توفر أبسط مقومات الحياة الكريمة، إلى جانب كل صور الحرب، وغياب الانضباط الأمني، مما يتسبب بانحرافات نفسية وسلوكية لدى الأطفال والمراهقين، كيف سيكون الجيل القادم منا نحن الجنس البشري العربي اليمني؟

المعلم الذي اكتسب هذه الصفة بناء على تطوعه للعمل بدلاً من الآخر الذي لسبب أو لآخر ترك مكانه، ما مقدار تأهله لهذا الدور؟ وما هو التأهيل الذي تقدمه المؤسسات الحكومية لهذا الكادر الذي يربي أجيالاً ويتحكم في مصير أمة؟

وهل هو كافٍ ليستطيع الأكاديمي التعامل من خلاله مع هذه العناصر الحساسة الصغيرة والخطيرة التي تحتاج لحذر وصبر، ولقديسين منزهين عن كل الانفعالات البشرية للتعامل معها؟

كيف يمكن للمعلم السيطرة على قطيع من الأطفال المشاغبين المتمردين الذين لا رادع أو إجراء يخيفهم ويوقفهم، المحاطين بكل صور العنف والمحيطين بكل أساليب الوقاية منه وصده؟

وكيف يمكن للطالب أن يتقبل التعليم في ظل صورة المعلم المتوحش والدموي شديد الانفعال وعنيف ردود الأفعال؟

كيف يمكن سد الفجوة التي خلقتها الأسرة، وخلقها المجتمع، والظروف الاجتماعية والسياسية والأمنية بين المعلم وتلميذه؟

إن الطفل الطالب، والمراهق الطالب، هما مشكلتنا الاجتماعية "القومية" الأكثر رعباً، وإيلاماً، إننا يجب أن نسعى لأجله بكل ما يجعله إنساناً وينشئه إنساناً وينميه إنساناً.

والمعلم (الذي براتب أو بدونه) هو مشكلتنا الأخرى، المعلم الذي يجب أن يكون قد تأهل ليحيط عطاءً وجهداً وتربية سليمة، وتعليماً مثمراً لهذا الطالب، فشل مع أول صعوبة حقيقية واجهته وتحدته.

والمعلم الذي تطوع -دون تأهيل منصف له وللطالب- ليكمل مسيرة البناء التي تعرقلت في مجتمعنا لسنوات، وليواصل من حيث عجز وتوقف سابقه، فشل هو أيضاً، وعكس وجهاً مشوهاً للمعلمين والتعليم؛ ولا جدال أو شك في فشل المؤسسات التعليمية التربوية وفشل المعلمين في اليمن وخصوصاً في تعز.

وأننا لا يمكن أن نتغافل وننكر الصورة التي يعكسها الكثير من المعلمين، بداعي أنهم معلمون متطوعون يسقون أعمارهم وجهودهم بمجانية، أو بداعي أن الآخرين لا يحصلون على راتب والراتب منقطع منذ أشهر وسنوات، أو أن الأطفال مشاغبون إلى حد ينتهك صبرهم الإنساني الضحل، أو المراهقين منحرفين متمردين إلى حد يخرجهم عن طورهم والسلوك الحضاري البشري، إن جميع هذه الأسباب لا يمكن أن تبرر الصور اللا معقولة التي تلتقط سمعاً للمغامرات المدرسية والأحداث التاريخية التي تقع هناك، فالمدرسة صارت (غابة ماوكلي - فضاءات هزيم الرعد - أفلاك دراغون بول).

يكفيك أن تنصت لسرد طالب أو طالبة -بمختلف الأعمار- عن تفاصيل يومه المدرسي لتصاب بالذعر، الذعر الشديد، والغيظ والازدراء، وكثيراً من المشاعر المزعجة البغيضة، تتمخض بعد كثير من الذهول والإنكار. من تلك الصور التي ينقلها الطلاب عن مدرسهم، والأفلام بمختلف تصانيفها التي تعاش في واقعهم، عن حادثة معلم يشج رأس طالب بالعصا فيسيل دمه (فيلم رعب)، والطلاب الذين يمزقون شباك النوافذ ليفروا عبرها (أكشن)، ومعلم أعزل! يستخدم يديه فقط! لمعاقبة الطلاب صفعاً ولكماً وما تيسر من حركات قتالية يجيدها (قتال شوارع)، ومثلما يصف أحد الطلاب "الأستاذ يجيء يضرب غدر، والواحد غافل مفسر! وإلا راقد" (مافيا علم دار)، عن المعلمة التي تهين بتلات الورد بالضرب والعنف اللفظي- سواءً المراهقات أم الصغيرات جداً على أنواع الأذى النفسي أو الجسدي - (النازية والاضطهاد العنصري)، المعلمات اللاتي يقدن التلميذات نحو الفصول الدراسية بالعصي والضرب العشوائي على أجسادهن الغضة (وثائقي السجون).

هناك الكثير ليتم طرحه ومناقشته عن التعليم ومشاكله في اليمن بكل حال، لكن الطالب أهم وأضخم مشكلة في هذا الجانب، ومع ذلك يتم تجاهلها بشكل صريحٍ ومُخْزٍ، من أجل الاهتمام بوضع المعلم وراتبه وصورته كالضحية الأكثر تضرراً في الجانب التعليمي في اليمن، وللإبقاء على صورة المعلم المثالية دون تشويه -في الصحف والحديث العام فقط- فهو مشوه وممسوخ جداً في عيون الجيل الصاعد والذي يليه، ولا أعلم إلى كم أجيال ستمتد هذه الصورة؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى