رجال في ذاكرة التاريخ: المناضل صالح فاضل الصلاحي.. سيرة حافلة بالمواقف الوطنية

> نجيب محمد يابلي

> الميلاد والنشأة
صالح الصلاحي
صالح الصلاحي
صالح فاضل حسين الصلاحي، من مواليد قرية البعلسية، من قرى أهل بن صلاح في يافع، في إحدى ليالي الشتاء، في المرتفعات الجبلية، في عام 1932م (عام رحيل أمير الشعراء أحمد شوقي).
كانت المرحلة عصية، وشبح المجاعة يطل برأسه، شحة في الأمطار، وجفاف تصاحبه الآفات الزراعية، والوالد فاضل الصلاحي، لا يدري ما تخبئه الأيام، فقرر السفر إلى بندر عدن، تاركًا وراءه أرضًا، وواقعًا من أبرز سماته الأمية، والنزول إلى سوق العمل، فهو الخيار الأفضل، مقارنة بتلقي التعليم.

العم عاطف حسين وحلم مهنة البناء
كان الواقع في الريف عصيبًا، والبحث عن مصدر رزق، كان الشغل الشاغل للإنسان، وكان عمه عاطف حسين ماهرًا في مهنة البناء، وكان يشجع ابنه حسن عاطف، وابن أخيه صالح فاضل، على اكتساب مهارة البناء، إلا أن الرحيل إلى بندر عدن، حدد اتجاهًا آخر لصالح فاضل.
عاش صالح فاضل مع والده، الذي كان يعمل في بلدية المعلا، تحت إشراف مدير البلدية، بابو سعيد(هندي) وكانت مهمته الإشراف على مشروع شق طريق في عقبة عدن مع خور مكسر.
كان والده فاضل الصلاحي يلعن الأمية، التي سببت له ولغيره، أعمالا شاقة، ولذلك حرص على الدفع بولده صالح بأن يتعلم.

بيوت الله استوعبت من لاسكن له
كانت الفترة في عدن قد شملت الحرب العالمية الثانية، وكانت بيوت الله حاضنة للفقراء، فسكن مع والده في مسجد الهندي، وكان من القائمين عليه أنذاك، علي عبدالله عميران، وصالح احمد البصيري، كما سكنا في مسجد فودابخش، ومن القائمين عليه صالح ناصر سعيد من قرية المبعل، القريبة من قرية صالح الصلاحي.

المحيط اليافعي خدم بن الصلاحي
انتفع صالح فاضل الصلاحي من محيطة اليافعي، في البحث عن فرص عمل، فهذا عبدالله أحمد بن الزير، من قرية المغز لبعوس، كان يعمل في منزل التاجر الفارسي أدلجي دنشو، في حافة الفرس، ووكالته التجارية في الزعفران، وتوسط له في وظيفة براتب عشرين روبية، وعمل لمدة ستة أشهر، وانتقل إلى وظيفة أخرى، عند تاجر من البانيان، براتب قدرة 25 روبية، بواسطة حسين البعالي من قرية بعالة – القعيطي.

الصلاحي يصبح العسيري
قضى صالح فاضل الصلاحي إجازة العيد في عسير، مع مجموعة من أصدقائه، وتعرف هناك على شيخهم، محمد بن عائض، الذي أضاف اسم صالح الصلاحي، مع عدد من أبناء قبيلته، للحصول على التابعية السعودية، وأصبح بعد ذلك، صالح فاضل حسين العسيري.

العسيري (الصلاحي) يتزوج من ابنة خاله
في العام 1952، وبعد غربة دامت ستة أعوام في السعودية، غادر صالح فاضل في إجازة إلى ربوع يافع، لزيارة الأهل والخلان، وإكمال نصف دينه، من ابنة خاله، التي اختارها له والده ووالدته، وبارك صالح الاختيار، وكسب بذلك رضى الله.

صالح فاضل مع أحرار يافع
ربطت المناضل الوطني صالح فاضل الصلاحي، مع أحرار يافع علاقات مبدئية، ومصيرية، وفي مقدمة أولئك الأحرار، المناضل محمد صالح المصلي، الذي استلهم أفكار الحرية خلال سنوات هجرته مع والده إلى الهند، خلال الأعوام 1942 / 1947م، وكان الوطنيون الهنود يتعاطفون مع قوى المقاومة في يافع، ضد الاستعمار البريطاني، الذي قصف جبال يافع، لاسيما على منزل السلطان محمد عيدروس، الذي أعلن تمرده على الاستعمار البريطاني.

كانت مجموعة الإسناد محدودة العدد، ويفيد صالح فاضل أن محمد صالح المصلي، هو الذي قادهم، ومعه أخوته سالم وحسين ومنصر، والأخ الجحوشي، وحملت المجموعة معها الذخائر، بالإضافة إلى رشاش برين جن، وحملوا على ظهورهم عتادهم، وبعد سفر يوم كامل مشيًا على الأقدام، وصلت المجموعة إلى قبيلة الحبيل" والتقت هناك بالسلطان محمد عيدروس، وابن عمه السلطان محسن حمود، وقد حشدا قوة بشرية فاق عددها الألفين مقاتل، وطلب السلطان من صالح فاضل، ومن شيخ بن هيثم، وسالم المصري، وثلاثة آخرين، أحدهم من أهل سعد، والثاني من شعب، والثالث من يهر، للعمل كفريق استطلاع، وحذرهم من إطلاق النار، لضمان نتائج طيبة من عمل الاستطلاع.

صالح فاضل في حركة القوميين العرب
تأسست الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل NLF، في أغسطس 1963م، وخرجت من صفوف حركة القوميين العرب، وقد التحق صالح فاضل بحركة القوميين العرب في 1959م، من خلال حلقة سرية برئاسة صالح صلاح، الذي تعرف عليه في مدينة جعار.

وعلى هذه الخلفية، شارك صالح فاضل في الدفاع عن ثورة 25 سبتمبر 1962م، ومع اشتداد المعارك بين الجمهوريين والملكيين، وجهت إذاعتا صنعاء والقاهرة نداء إلى أبناء يافع، والضالع، وردفان، والعوالق، وكل أبناء الجنوب العربي، للدفاع عن ثورة 25 سبتمبر، ولبوا النداء، وتحرك موكب المناضلين الجنوبيين إلى الشمال، ومشوا لمدة ثلاثة أيام على الأقدام، والتحقوا بالجيش المصري، لمقاومة الملكيين في جبال المحابشة، وفي معارك أخرى، إلى جبال المحابشة، التي حققت المجاميع الفدائية انتصارا كبيرًا على الملكيين، بقيادة الشيخ أحمد عبدربه العواضي.

صالح فاضل في صفوف الجبهة القومية
بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في صنعاء، نشطت حركة القوميين العرب، وأسفر ذلك عن تأسيس الجبهة القومية في أغسطس 1963م، لمقاومة الوجود البريطاني في عدن، وانعقد المؤتمر الأول للجبهة القومية في تعز، خلال الفترة 22 / 25 يونيو 1963م وحضرت الرموز الفاعلة، وفي مقدمتهم قحطان الشعبي، وفيصل الشعبي، ومحمد أحمد البيتي، وعلي عبدالعليم، ومحمد علي هيثم، وغيرهم، وكانت الدعوة قد وجهت إلى ممثلي الجمعيات، والنقابات في مدينة عدن، وإلى شخصيات سياسية، بالمشاركة في الاجتماعات في تعز، وكان من ضمن المجاميع المشاركة في الاجتماع، النقابات الست، والسلطان محمد عيدروس، ومحمد المصلي، وصالح فاضل، الذي كان يرى فيهما القدوة.

ذكريات صالح فاضل لا يفضل الدمج القسري
تم الإعلان عن دمج الجبهة القومية، ومنظمة التحرير في 13 يناير 1966م، ووقع الاتفاقية عبدالله الأصنج عن منظمة التحرير، وعلي أحمد السلامي عن الجبهة القومية، وكان صالح فاضل يجهز نفسه، ومشترياته ليتوجه إلى القرية، لقضاء بقية أيام رمضان وعيد الفطر المبارك، مع والده، ووالدته، وزوجته، وبقية الأقارب والأحباب، وقد فوجئ صالح فاضل، مع غيره من أعضاء الجبهة القومية، بقرار الدمج الذي دخل قاموسهم بمفردة (الدمج القسري)

"عمران" في العمل الفدائي السري
نشطت الجبهة القومية، ومن بعدها جبهة التحرير، في العمل الفدائي، خلال الفترة 1963/ 1967م، إلا أن صالح فاضل الصلاحي، الذي أصبح اسمه التنظيمي، "عمران"، انخرط في إطار العمل الفدائي السري، للجبهة القومية، في شهر يناير 1964م، وقام بتأطيره، المناضل القيادي علي صالح عباد مقبل، بواسطة المناضل محمد فضل علي هرهرة، وقضى فترة ستة أشهر تحت التجربة، والمراقبة، وتم تقديمه بعد ذلك لمسؤول العمل الفدائي في عدن، وأبين حينها سالم ربيع علي، ليكون ضمن قطاع العمل الفدائي السري.

صالح فاضل مع علي جاحص وبخيت مليط
تداول رفاق السلاح أفكارا بأعمال فدائية، ومنها ما تقدم بها علي جاحص(الشهيد لاحقًا)، بتنفيذ عدد من العمليات في لحج، وتنفيذ عملية في عدن، ضد مركز لجنود بريطانيين في التواهي، يوجد فيه متارس للجنود البريطانيين، قال صالح فاضل الخطط جيدة، ولكن ينقصنا السلاح، فرد عليه جاحص: الأخ بخيت مليط من الصبيحة، وعده بأسلحة، وعرض صالح فاضل قنبلتين، حصل عليهما من صالح بن عاطف، من أبناء يافع وأصبح لاحقًا من أعضاء التنظيم الشعبي، للقوى الثورية، لجبهة التحرير، وعرض صالح فاضل فكرة التنفيذ، على سالم ربيع، ووافق عليها، وتم تنفيذ العمليتين.

سالمين وأمن الوطن والمواطنين
طلب الرئيس سالمين صالح فاضل، في بداية عام 1971م، وقد بدا الإرهاق والتعب على سالمين، وهما في قصر الرئاسة بالتواهي، فساله ما الذي يكدر صفوك؟ فأجابه بأن أمور إدارة الدولة لا تسير على ما يرام، فحدودنا غير آمنة، وفي الداخل هناك من سلكوا بوعي، أو بدون وعي، مسلك التشكيك بولاء بعضنا البعض للوطن، والتوجه السياسي والأيديولوجي،

راح فاضل يطمئن الرئيس القائد، بالمساحة الكبيرة التي حظي بها في نفوس رفاقه، وفي نفوس الشعب وكادحيه، من الفقراء، إلا أن سالمين رأى أن المحنة التي يعيشها، لن يعرفها إلا من جرب تلك المسؤولية، وعاش تفاصيل المشاكل، والهموم اليومية الكثيرة، والمعقدة جدًا، وأحيانًا المحزنة جدًا، وقال سالمين حينها: اقسم بالله بأنني أتمنى لو أنني عامل بلدية، والكلام كثير...

صالح فاضل ومنعطفات غير فاضلة
مر صالح فاضل بمنعطفات كان لها وقعًا مدويًا في نفسه، أبرزها: حركة 26 يونيو، 1978م، وما حدث للرئيس الشهيد سالم ربيع علي، والتآمر الفج على الشهيد محمد صالح مطيع، عام 1981م، والأحداث المؤلمة في يناير 1986م، وكانت كل تلك المنعطفات تراجيدية بكل المقاييس في نفسه.

صالح فاضل والأبناء والأحفاد في الولايات المتحدة الأمريكية
خاب ظن المناضل الوطني صالح فاضل الصلاحي، بتحقيق الحلم الذي راوده، ورواد كل وطني، بأن يقطف ثمرات النضال، والاستقرار في ربوع الوطن، ذلك أن الوطن شهد منعطفات دموية، إلا أن أولاده غادروا للدراسة، والاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية، فمنهم من أن أصبح طبيبًا متخصصًا، وأكاديميًا رفيعًا، ورجل أعمال ناجح، ومن أولاده: د. محمد - حسين - خلدون - سالمين - عادل - عبدالفتاح - وعدد كبير من الأحفاد أبناء أولاده وبناته.

الدكتور محمد صالح الصلاحي، والدكتور علي صالح الخلاقي
صدر كتاب: صفحات من تاريخ الجنوب العربي الحديث: ذكريات "عمران" الفدائي والإنسان - المناضل صالح فاضل حسين الصلاحي.

دونها وصاغها: د . محمد صالح فاضل الصلاحي،

مراجعة وتقديم وإخراج: د. علي صالح الخلاقي،

يقع الكتاب في (446) صفحة، وأخذت منه كل البيانات الواردة في هذه المادة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى