هل الحلول الأمنية الموجهة لاستقرار سعر الصرف مجدية؟!

> د. يوسف سعيد أحمد

> تحقيق الاستقرار النسبي لسعر الصرف هو الهدف المرغوب للسياسات النقدية والمالية والاقتصادية لأي بلد من البلدان؛ كونه سيؤمن مستوى من الاستقرار الاقتصادي، ويوفر البيئة الاقتصادية الملاءمة لكل عوامل الإنتاج المشاركة في النشاط الاقتصادي مستهلكين ومستثمرين ومنتجين ومستوردين. والاستقرار النسبي لسعر الصرف مرتبط بواقع المؤشرات الاقتصادية الكلية وبمستوى فعالية السياسات المالية والنقدية المنفذة.

في بلادنا في ظل الحرب، هناك اختلالات اقتصادية عميقة في ميزان المدفوعات وفي الحساب الجاري وفي المالية العامة عندما يتعلق الأمر باقتصاد الشرعية، هذا أولا ثم إن غياب الاحتياطيات الخارجية للحكومة لدى البنك المركزي هو محدد هام يمكن البنك المركزي من التدخل للحفاظ على استقرار سعر الصرف كلما تطلب ذلك، وهو كما نعلم في أدنى مستوى له أو مفقود تماما.

عدا عن عدم تكامل السياسات المالية والنقدية، وهو ما يبقي البنك المركزي في الواجهة وحيدا عندما يتعلق الأمر بسعر الصرف أو بصرف رواتب موظفي الدولة، كون المركزي يتولى مهام خزينة الدولة في ظل غياب السياسات المالية والاقتصادية المؤثرة. وفي بيئة سياسية وأمنية معقدة تتنازع على السلطة وخاصة في العاصمة المؤقتة عدن مع فشل حكومة المناصفة في تحقيق أهداف المسار المتفق عليه في اتفاقية الرياض.

لذلك، فإن الانفلات على أكثر من صعيد يبدو قدرا محتما في ظل هذه الاختلالات وخاصة عندما يتعلق الأمر بسعر الصرف، وهو العنوان الاقتصادي العريض الذي يعكس واقع اقتصاد الدول ووضعها الاقصادي. وتفسير ذلك أن الحكومة أيضا فشلت في حشد الموارد العامة الضريبة والجمركية مع ما يتبدى أيضا من انقسامات وصراعات داخل حكومة الشرعية، انعكست أثارها سلبا على الواقع الاقتصادي وفي غياب الرشادة الاقتصادية وعدم استغلال الموارد النفطية وغير النفطية الاستغلال الأمثل، خاصة في ظل وجود منسوب عال جدا للفساد، لا أحد يستطيع أن ينكره.

في صنعاء استطاع الحوثيون تحقيق استقرارا في سعر الصرف أمام الدولار في المحافظات التي تقع تحت سيطرتهم بعد أن اعتمدوا الطبعة القديمة من عملة الريال، واعتبروها وكأنها عملة نقدية خاصة بهم، لكن في المقابل عملوا على حشد الموارد الضريبية والجمركية، ووصلت عوائدهم بعد فتح المنافذ الجمركية البرية إلى أكثر من ترليون ريال وهو رقم تاريخي مقابل ٣٥٠ مليار ريال هي حجم الموارد الضريبة والجمركية السنوية لحكومة الشرعية. لكنهم حققوا ذلك بسطوة أمنية شديدة الوطأة وتنصلوا عن دفع رواتب موظفي الدولة.

يضاف إلى ذلك أن الحوثيين ورثوا مؤسسات الدولة مما سهل لهم تنفيذ إجراءاتهم، وفوق ذلك فإن العون الدولي بكافة أشكاله، الذي قد يصل إلى أكثر من ملياري دولار سنويا، يأتي عبر صنعاء، عدا عن تحويلات المغتربين التي تبلغ نحو مليارين ونصف سنويا تأتي أيضا عبرهم، لأنهم سيطروا على البنوك التجارية والإسلامية لهذا حافظوا على قيمة سعر الصرف، وإن كان غير حقيقي، وهو ناتج عن ندرة الأوراق النقدية القديمة مقارنة مع حجم العملة الأجنبية المتوفرة لديهم التي تأتي بالإضافة إلى المصادر الخارجية فإنها في معظم المحافظات التي تقع تحت سيطرة حكومة الشرعية لأن معظم فروع البنوك والمؤسسات الصيرفية هي فروع للمؤسسات المالية في صنعاء، وتحول العملات الأجنبية إليهم.

هل الحلول الأمنية الموجهة لاستقرار سعر الصرف مجدية؟
استقرار سعر الصرف يرتبط بواقع المؤشرات الاقتصادية الحاكمة كما أوضحنا واعتمادا على واقع وطبيعة البيئة الاقتصادية والسياسية السائدة وطبيعة البنى التنظيمية والتشريعية والقانونية المتوفرة وعلى مدى إدارة المعروض النقدي الذي يتلاءم مع حاجة الاقتصاد.

في عدن، تدخل الانتقالي عبر أعلى سلطة فيه بهدف وقف التدهور المستمر لسعر الصرف بعد أن بلغ سعر الدولار الأمريكي حاجز ألف ومئة ريال لكل دولار، وقد استحسن الناس هذا العمل بناء على النتائج التي خرج به آخر اجتماع مع الصرافين والغرفة التجارية. لكن ما يعيب هذا الجهد أنه يتم بمعزل عن البنك المركزي وهو المؤسسة المعنية بادرة سعر الصرف من خلال سياساته النقدية، وهذا يعكس ربما طبيعة التقاطعات والاختلافات داخل حكومة المناصفة التي ولدت ميتة، والتركيز على سعر صرف الريال السعودي ربما جاء من أهميته التبادلية والاقتصادية، لكن الدولار ظل يتحرك بعد الإجراءات عكسيا، وهو المتغير المستقل، بينما الريال السعودي هو متغير تابع ويرتبط بالدولار عند نحو ٣.٧٥ ريال لكل دولار.

لكن إلى أي مدى يستطيع المجهود الأمني وقف تدهور سعر الصرف؟ إن الأمر مرتبط بقانون العرض والطلب، وتظل الإجراءات الإدارية والأمنية مكملة ومحدودة الأثر، وإذا استمرت هي الأداة الوحيدة فقد يخلق سوق موازية أخرى، ومع ذلك في ظل الانفلات نأمل النجاح لهذه الجهود عدا عن الجهد الشعبي، ومع ذلك تظل الإجراءات الأمنية محدودة الأثر إذا تجنبت الأخذ بعين الاعتبار العوامل الاقتصادية الحاكمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى