كوكب.. ومن الحب الشمساني ما قتل!

> محمد العولقي

> ما بين إقبال الحياة وإدبارها تنتعش الذاكرة في الوقت بدل الضائع، تدخلنا نفق مشاكلها وتعقيداتها، وترغمنا على شرب نخب علقمها في الليلة الظلماء.
في عدن عرفته لأول مرة، يصرخ و يبكي ويتألم كلما دخل مرمى شمسان هدفا، أعرف أن الحب درجات والعشق مراتب، لكن بالنسبة لمجنون شمسان (كوكب)، فإن الحب أو العشق له تعريف واحد لا يقبل النقاش، ومذاق يحمل نكهة الموت.

في كل مرة يتم استفزازه في مدرج مشجعي شمسان، يثور ويهيج ويصبح وحشا يصعب ترويضه.
لا تنفع معه عبارات جبر الخواطر، ولا مهادنة مع تعليمات الأطباء، كان شمسان بالنسبة للمشجع محمد عثمان الشهير بلقب (كوكب) هو وجعه الصاخب وألمه اللذيذ الذي يقاسمه حياته و رزقه.

ذات صيف لاهب في مقصورة ملعب الشهيد الحبيشي قدمه لي الشيخ (علي جلب) رجل المبادرات الرياضية البريئة، كان (كوكب) يفتش عني في كل مكان، و يسأل عني موج البحر وفيروز الشطآن.
وقف أمامي بهيئته المخيفة، قامته المحدبة، اختلط سواد وجهه باحمرار دمه، بدأ لي قطعة فحم تلتهب بجمر السخط والغضب، فجأة استكان مثل حمل وديع، فجلس إلى جواري قائلا:

هذه حبوب الضغط، لكني مصاب بضغط شمسان وهو مرض دواؤه في أقدام اللاعبين.

هونت عليه كثيرا وأسمعته غزلا في شمسان، ويا سبحان الله هدأت نفسه وطابت جراحه، وبدأ وكأن الدورة الدموية السابحة تحت جلده قد أنطفأ حريقها، قلت لنفسي: هذا مجنون آخر يهيم في شوارع المعلا على وجهه، لا بيت له ولا أسرة ولا خلان سوى شمسان، لكن هذا الفريق الذي جار عليه الدهر وتقلبت أحواله بعد مرحلة أذاقته فيها أفاويق استحلاها ( كوكب)، بات حاضره داء يستوطن قلب (كوكب)، كما لو أن هذا العاشق والولهان ينوب عن جماهير شمسان في حمل ذنوب هذا النادي.

عاش (كوكب) أيام فرح مع شمسان قليلة جدا، وقاسم حديقة البرتقال جفاف السنوات العجاف التي طالت واستطالت، وتمددت على صدره كليل أمرئ القيس.

كان (كوكب) ثائرا دائما، لا زاد يعينه على مقاومة نوائب الدهر وشظف العيش سوى شمسان، لكن واحر قلباه من ذلك الذي قلبه شبم فقد راح يوصف (كوكب) بأنه ممثل بارع وأن انفعالاته مصطنعة ومدفوعة الأجر، ليس لهذا المهرج الذي يدعي وصلا بشمسان إلا أن يكون حطبا يلقى في مدفأة قلب (كوكب) المسكين فتشتعل أحشاؤه عن آخرها و ينزف وجعا قطرة قطرة.

هل تعلمون كيف كان (كوكب) يقاوم موجات الموت الضاري بدون عمل وبدون معاش؟
لقد كان يتغذى من الحبل السري لنادي شمسان، وغذاؤه الوحيد كان من وحي مائدة دسمة قدمها رفاق (التمباكو) جميل سيف عام 1981م.

إنها الحقيقة بشحمها ولحمها وعظمها، كوكب كان ينهل من تلك الملحمة، كلما مر على شمسان عام من أعوام القحط الكروي يجتر كوكب قليلا من أفراح تلك الملحمة الخالدة التي توجت شمسان بطلا للدوري لأول و آخر مرة.

* رحل (كوكب) عن حياة شمسان المليئة بكل شهد ودموع دراما التراجيديا، ولم يكتب له رصد فرحة براعم شمسان بلقب طال انتظاره، آخى التراب ولم تعد دموعه المدرارة تسقي حقول البرتقال، رحل وفي حلقة غصة وجع لا يعرف سرها سوى جيل جميل سيف، ودع شمسان وفي قلبه حرقه تكفي لإشعال حريق هائل في غابات شمسان المظلمة، مات وفي عينه دمعة أخيرة لم تسقط على أرض البرتقال، تجمدت وتحجرت لأن (كوكب) يأمل أن يتحول عشقه لشمسان إلى ضريح خاص يتعلم منه جيل اليوم معنى كيف يكون الإخلاص للحبيب الأول مغلفا بإيثار (ومن الحب ما قتل).
أقترح على إدارة نادي شمسان بقيادة الكابتن عدنان قلعة إهداء بطولة براعم (علي بادي) لهذا المشجع المهووس بعشق شمسان كي يستريح في قبره!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى