في اليمن فقط المهزوم يُـملي شروطه على المنتصر.. انظروا

> صلاح السقلدي

> قالت السُـلطة اليمنية المسمّاة بالشرعية يوم الثلاثاء 22 فبراير الجاري إنها ترحِّب بالبيان المشترك للمجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي الذي عُقد في بروكسل، ودعا إلى وقف إطلاق النار في اليمن دون شروط مسبقة من أي طرف.

هذه السُـلطة التي رحّبت بوقف الحرب دون أية شروط مسبقة هي نفس السلطة التي تضع دائمًا شروطها المسبقة وتعيق كل مبادرة أممية أو دولية أو إقليمية تسعى لوقف الحرب وتتوخى المضي قُدمًا صوب تسوية سياسية للأزمة اليمنية والقضية الجنوبية. وأبرز هذه الشروط التعجيزية هي أن يكون ما يسمّى بالمرجعيات الثلاث: (المبادرة الخليجية - مخرجات حوار صنعاء والقرار الأممي 2216) هي قاعدة ومرجعيات لأي وقف للحرب ولأية تسوية سياسية. مع أنها أي الشرعية تعرف قبل غيرها أن هذه الشروط مستحيلة التنفيذ، ليس فقط لأنها شروط باتت عديمة الجدوى وتفتقر للإجماع الداخلي أو لأن الأوضاع على الأرض قد تبدّلت وتشكلّت خارطة سياسية وعسكرية واجتماعية جديدة شمالًا وجنوبًا؛ بل لأنها - أي المرجعيات وبالذات المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار- كانت المسبب الرئيس للحرب ومشعل فتيلها، وما تزال هي العائق الأكبر لوقفها، وأن التمسك بها وجعلها أساسًا لأي وقف للحرب ولأية تسوية سياسية قادمة ليس أكثر من وسيلة لتدوير الأزمة وإعادة إنتاجها ، وحيلة لئيمة من هذه السلطة وأحزابها وشخوصها النفعية لبقائهم أطول فترة ممكنة كسلطة وحيدة معترفًا بها إقليميًّا ودوليًّا بعيدً ا عن شراكة الآخرين، ووسيلة خبيثة منها لإطالة أمد هذه الحرب التي وجدت فيها هذه السلطة مصدر نهب وفساد مزدهر، وللتهرب من أية تسوية سياسية حقيقية، لمعرفتها أنها ستسلبها صفة التفرد بالسلطة وتنزع منها ميزة الاستئثار بالقرارات السياسية والإدارية التي تتصرف بهما بسُـفه وبنَـفَس جهوي وحزبي ونفعي مشين منذ بداية الحرب حتى اليوم، وتنهب باسمها الثروات والقروض والودائع والمساعدات بعيدًا عن أية رقابة أو مساءلة بعد أن أجهزت على كل المؤسسات الرقابية والقضائية وحوَّلت كل المؤسسات بما فيها النيابية إلى مؤسسات ممسوخة وبؤر للفساد المالي والإداري وللتكسب الحزبي والشخصي.

الإشكالية الواقعة بها هذه المسمّاة بالشرعية أنها ما تزال بعد سبع سنوات حرب غير مصدقة أو بالأصح لا تريد أن تُصدِّق حقيقة أنها فشلت وانهزمت عسكريًّا وانقرضت سياسيًّا أو توشك، ونراها تتصرف كطرف منتصر يفرض شروطه ومنطقه الاستعلائي، وتحت تأثير هذا الوهم وهذا الغرور المنفوخ تتصرف وتضع الشروط التي كانت تطلقها بداية الحرب وكأنها اليوم قد حسمت الأمور من أول ضربة وباتت داخل القصر الجمهوري بصنعاء، وصار خصومها محشورين داخل كهف مران، والعلم اليمني يرفرف فوق رؤوسهم.

فأية مبادرة خليجية هذه التي بعد 12عامًا ما تزال صالحة للاستعمال، وتقاوم عوامل الزمن والرطوبة والملوحة في كل زمان ومكان؟

أية مبادرة هذه التي تصلح أن تكون مرجعية حل لأزمة بحجم الأزمة اليمنية وقضية بمستوى القضية الجنوبية، وهي المبادرة التي صيغت قبل تشكل وتدحرج الأزمة اليمنية بشكلها المُــريع اليوم، واستبعدت القضية الجنوبية تمامًا من بنودها، كونها مبادرة أتت لفض اشتباك سياسي وفي ظروف معروفة داخليًّا وخارجيًّا أفرزتها ثورات الربيع العربية، وهي حل الصراع على كراسي الحكم الذي احتدم عام 2011م، ونصّت المبادرة أن يقتسم الفرقاء (الحزب الحاكم حينها، المؤتمر الشعبي العام، والمعارَضة، وأحزاب اللقاء المشترك) المناصب الحكومية ويُستبدل رئيس برئيس آخر، فيما القوى الأخرى بالشمال والجنوب كانت قد أقصتهم هذه المبادرة تماما؟.

فهل سيقبل الجنوبيون والحوثيون اليوم بمرجعية تنص على تقاسم السلطة بين أطراف أخرى دونهم بعد كل هذا الذي الدمار الذي حل بهم، وهذه الدماء التي سالت منهم؟

بل حتى حزب الإصلاح نفسه الذي يصر على فرض هذه المرجعية لن يقبل بأن يناصفه المؤتمر الشعبي العام المتهم إصلاحيًّا بأنه تحالف مع الانقلابيين الحوثيين السلطة والثروة؟

وحتى المرجعية الأخرى المزعومة (مخرجات حوار صنعاء)، وبالذات فيما يتعلق بشكل الدولة الاتحادية المقترحة (دولة من ستة أقاليم)، فيكفي لنؤكد أنها باتت هي الأخرى من الماضي وأن تطبيقها مستحيل، وهو أن القوة الكبرى بالجنوب اليوم ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي ومعه باقي القوى والشخصيات بالداخل والخارج المؤمنة بحق استعادة الدولة الجنوبية وتسيطر على معظم أراضي الجنوب وعلى العاصمة عدن أنها ترفض فكرة هذا المشروع المسمّى بمرجعية حوار صنعاء وحكاية دولة الستة الأقاليم ليس فقط لأنهم استبعدوا عن المشاركة بصياغته؛ بل لأنه يطمس القضية الجنوبية ويحتال عليها. والشمال كله تقريبًا في قبضة الحوثيين، وهم الذين رفضوا ويرفضون ذلك المشروع كونه استهدفهم استهدافًا طائفيًّا وحشرهم في إقليم جغرافي هو أشبه بالأخدود، ومعزول عن أي منفذ بحري، يمتد من صعدة إلى ذمار. فإن كان الشمال أرضًا وشعبًا مع الحوثيين، ومعظم الجنوب مع الانتقالي ففي أية رقعة جغرافية تنوي هذه المسمَّاة بالشرعية أن تنفذ مشروعها هذا؟

بقي أن نشير إلى أن المرجعية الثالثة، وهي بحسب أصحابها تتمثل بالقرار الأممي رقم 2216، فهذا القرار وباعتراف الأمم المتحدة نفسها ومعها دول كبرى مثل بريطانيا وأمريكا وروسيا تؤكد أنه لم يعد يتفق مع الواقع وأن على المنظومة الدولية استصدار قرارات جديدة تتواءم مع الواقع المستجد، بحسب تصريحات السفير البريطاني باليمن قبل ثلاثة أشهر، على سبيل المثال، فهذا القرار تم إصداره بداية الحرب بطلب وضغط سعودي، مطالبين الحوثيين بمطالب كانت حينها صعبة وصارت اليوم مستحيلة، مثل مطلب تسليم الأسلحة والخروج مع العاصمة صنعاء ومن كل المدن، وتسليم كل المرافق الحكومية للشرعية، فكل هذه المطالب كان متوقع تطبيقها بداية الحرب على افتراض أن الحوثيين سيهزمون عسكريًّا أو تقوض قدراتهم وأن الشرعية والتحالف سيحسمون الحرب خلال أسابيع بحسب الوعود السعودية، ولكن بعد سبع سنوات من الفشل والإخفاق أدركت الأمم المتحدة صعوبة تنفيذ مثل هكذا مطالب وقرارات. ثم إن الأمم المتحدة أصدرت عدة قرارات بشأن الأزمة اليمنية وليس قرارًا واحدًا فقط، فمن ذا الذي أعطى لهذه السلطة اليمنية المسمّاة بالشرعية أن تنتقي قرارًا واحدًا وتتخذ منه مرجعية وتغفل باقي القرارات؟

وهل سيقبل الحوثيون اليوم وهم في أقوى حالاتهم بقرار رفضوه وهم في أضعف حالاتهم؟ وعلى الجانب الجنوبي ونافلة بالقول نذكّـــر أن هذا القرار لم يتطرق للقضية الجنوبية أبدًا حتى نقبل به كمرجعية للحل، فكيف للجنوبيين أن يقبلوا به مرجعية بعد أن بات لهم اليوم أنيابًا ومخالبًا؟ وبعد أن صار القرار نفسه في حُـكم الملغى من الجهة التي أصدرته (مجلس الأمن)؟

ثم هل يعقل أن يكون الطرف الخسران والذي لم يفلح بتحقيق نصر عسكري واحد هو مَـن يضع الشروط وهو من يحدد مرجعيات الحلول على الأطراف المنتصرة المسيطرة على معظم أرض الشمال؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى