شعب الجنوب على عتبة إنجاز الشروط الداخلية والخارجية لإعادة إعلان الدولة

> أولاً: الحديث عن الحاضر وتحليل أحداثه يمثل امتدادًا لمحطات سابقة في مسار متصل أسس لما يحدث اليوم. هذه المحطات تقع على الطريق الطويل الذي سار فيه الجنوبيون وتوقفوا عند كل محطة لتدبر الخطوة التي تليها والانتقال إلى المحطة اللاحقة، في خطوات حثيثة ومدروسة تتدرج نحو الوصول إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى لشعب الجنوب التي ينبغي أن تتكلل باستكمال الشروط الداخلية والخارجية لإعادة إعلان الدولة وبناء مؤسساتها الوطنية.

ولأن الحاضر جذوره آتية من الماضي ويقطف ثماره في المستقبل، وليكن الحاضر مفهوماً بكل أحداثه ومتغيراته نجد أنه لزاماً علينا إلقاء نظرة سريعة على الخارطة التي سار عليها شعب الجنوب بمحطاتها وأحداثها:

1 - محطة الصدمة والذهول التي زلزلت وجدان كل جنوبي، وتشمل أحداثها إعلان مايو 1990م وما تلته من أزمة وحرب غزو واحتلال الجنوب في 1994م، وفقدان الجنوبيين لكل ثوابت الحق الوطني هوية وسيادة وتقرير مصير. أحداث أسقطت منهم كينونتهم بوصفهم شعبًا ودولة مما يعني إسقاط حقهم في الوجود والبقاء، وكان ذلك التحدي هو الأخطر في تاريخ الجنوب المعاصر.

2 - محطة الصحوة وإعادة تشكيل وعي شعب الجنوب لذاته الوطنية بما يعنيه ذلك من إعادة تشكيل وعي الحق والعلاقات الحقوقية الداخلية بين الجنوبيين أفراداً وجماعات ومكونات وطنية جغرافية وإدارية وأنهم أصحاب حق متساوون.

3 - محطة الحوار الوطني الجنوبي التي تقوم على الإقرار بثوابت الحق الوطني للجنوبيين وتساويهم في هذه الثوابت، دشنت بدايتها قبل حرب 1994، واستمرت حتى عام 2006م، وهي مستمرة إلى اليوم، غير أن هناك تبدلًا في موضوعاتها بحسب اختلاف التحديات في كل مرحلة، إلا أن هدفها الكبير هو إعادة بناء الوحدة الوطنية بين أبناء شعب الجنوب والحفاظ عليها، ففيها تكمن قوته والقدرة على مواجهة التحديات والأخطار المحيطة به وتحقيق أهدافه الكبرى.

4 - محطة التسامح والتصالح تقوم على الإقرار بأن المكونات الجغرافية والإدارية وتكويناتها الاجتماعية والوظيفية يشكلون معاً الحلقات البنيوية لشعب الجنوب شركاء متساوين في حقوق الهوية والسيادة وتقرير المصير ويمثلون عناصر التوازن الوطني الداخلي المسؤول عن حفظ الوحدة الوطنية للشعب وهم الأطراف الحقيقية للتسامح والتصالح وساحة التطبيق الفعلي للتسامح الذي يتجسد في شرعنة التمثيل السياسي المتوازن في مؤسسات السلطة وفي الهيكل الوظيفي والابتعاث للتعليم وفي التوزيع المتكافئ للمشاريع الاقتصادية على امتداد جغرافيا الجنوب بمعنى آخر أن وظيفة التسامح وضع نهاية لملف الصراعات التي شهدها الجنوب في الماضي، وإنهاء كل أسبابها وقبول كل المكونات الوطنية ببعضها بعض واحترام حقوق التساوي بينها وإعادة تشكيل التعامل مع الحاضر والتأسيس للمستقبل وفق النظرة الجديدة للتسامح.

5 - محطة الحراك الشعبي السلمي الجنوبي كانت تتويج لمحطة التسامح والمحطات السابقة لها، وتعبر عن استعادة الوحدة الوطنية للشعب. كرس لحشد الشعب وتعبئته للانتقال إلى المعارك الفاصلة لاستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب.

6 - محطة الانتقال من السلم إلى الحرب التي بدأت بظهور التشكيلات المسلحة للمقاومة الجنوبية وخوض حرب التحرير التي ما زالت تتواصل إلى اليوم، وتتداخل مع مرحلة إعادة بناء الذات الوطنية بجوانبها الاجتماعية والسياسية والعسكرية وعدم ترك أي فراغ يؤسس للفوضى في الجنوب.

تتميز هذه المحطات بسمة التوالد المنطقي من بعضها، حيث تلد الأولى المحطة التي تليها وجميعها تتجه صوب الاقتراب أكثر فأكثر من تحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى.

ثانياً: المحطات الست تتوزع على ثلاثة تقسيمات زمنية:

1 - التقسيم الأول ويشمل أحداث القاطع الزمني من 1990- 1994 وما قبلها.

2 - التقسيم الثاني يشمل أحداث المرحلة الوسطى بكل تفاصيلها الداخلية الممتدة من يوليو 1994 إلى 2015.

3 - التقسيم الثالث يشمل الأحداث والمتغيرات من 2015 إلى 2021 وما بعدها.

الموضوعات والمهمات المتبقية أمامنا لإحراز النصر النهائي الذي يهيئنا لإعادة إعلان دولة الجنوب الحرة المستقلة ويمكن تحديد تلك الموضوعات والمهمات بحسب ما هو آتٍ:

أولاً: المحاذير والحاجة الى تصويب المسارات

1 - الصراع في اليمن صراع ثنائي الأطراف بين شمال غازٍ تحركه أطماع السيطرة على الجنوب وضمه إلى نفوذه وجعله جزءًا من سيادته ونهب ثرواته والتنكيل بشعبه واستبعاده، وجنوب يدافع عن حقه في الوجود والبقاء واستعادة حقوقه الوطنية الثابتة المشمولة بالهدف الاستراتيجي الأكبر المتمثل بهدف استعادة دولته الوطنية المستقلة. وأي محاولة لإعطائه توصيفا آخر من قبيل المذهبية أو الحزبية لما يحدث هو عمل من شأنه إخراج الصراع عن المسار الصحيح سينتهي بتقويض قضية شعب الجنوب وخلط للأوراق، فالمذهبية تعني عودة الجنوب إلى سلطة صنعاء من النافذة المذهبية، والحزبية تعني العودة إلى هيمنة صنعاء من بوابة الأحزاب اليمنية.

2 - شعب الجنوب هوية وسيادة وتقرير المصير يمثل كل لا يتجزأ في علاقاته الخارجية مع الشعوب الأخرى، وبهذه الوحدة يخلق توازن يحفظ له حقه في الوجود والبقاء، ولكن بالمقابل له مكوناته الوطنية الداخلية تتساوى في الحقوق وبهذا التساوي تستطيع إقامة التوازن الوطني الداخلي صمام أمان وحدتها، والسبب الأول لتعزيز التوازن الخارجي ووحدة تمثيل شعب الجنوب في العلاقات مع الغير.

3 - مراعاة التوازن الدقيق بين الكل الجنوبي وأجزائه، فلا وجود للكل إلا بأجزائه، والأجزاء مصيرها الضياع والانهيار إن لم تكن مترابطة بالكل الجنوبي الذي يجمعها ويحقق التعاون والتكامل بينها لتصبح قوة توازن يحمي حقوقها الثابتة ويحيل دون انتهاك أي طرف خارجي لأراضيها والمساس بكرامتها، ومن هنا ينبغي عدم المبالغة بحقوق الأجزاء على حساب الإضعاف الكلي وعدم المبالغة بحقوق وصلاحيات الكلي على حساب تهميش أجزائه.

شعب الجنوب مثله مثل أي شعب آخر من شعوب الإنسانية يجمع بين الوحدة والتعدد فهو واحد في وجهه الخارجي فيما يمثل التعدد وجهه الداخلي، وطبقاً لذلك شعب الجنوب يتحرك تحرك الواحد في كفاحه التحرري من أجل تحرير أراضيه وفرض سيادته عليها واستعادة دولته المستقلة ومحكوم بالتعدد والتكامل في إدارتها بعد أن تصبح واقعاً قائماً ولها دستور تحتكم له.

ثانياً: مشكلة الهوية

للإنسان أي إنسان في العالم هويتين: هوية شخصية تتحدد بانتمائه لأبوين محددين (أم وأب) وهوية وطنية تتحدد بانتمائه لأرض محددة وشعب محدد، يتميز بهما عن الأغيار. والهوية بهذا المعنى هي مركب جمع الذكر والأنثى في الحالة الأول، واكتسبت مسمى الأسرة، وهي مركب جمع الأرض وسكانها في الحالة الثانية واكتسبت مسمى الشعب، وهناك ثلاثة عوامل مهمة تلعب دور حاسم في تحديد مسمى الهوية الوطنية للشعب والدولة.

العامل الأول: إذا التسمية التي يحملها السكان واحدة والأرض لا تحمل أسماً واحداً، يؤخذ بمسمى السكان اسماً لهوية الشعب والدولة (روسيا مثالًا).

العامل الثاني: إذا التسمية التي تحملها الأرض واحدة والسكان لا يمتلكون اسماً موحداً، يؤخذ باسم الأرض اسماً لهوية الشعب والدولة (أمريكا مثلا)، وستكون الحالة مثالية إذا الاسمين متطابقين للأرض والشعب.

العامل الثالث: وإذا الأرض لا تحمل اسماً موحداً والسكان أيضاً لا يحملون اسماً موحد فتؤخذ حينها تسمية المكون الأكبر مساحة وسكان اسماً لهوية الشعب والدولة.

ففي حالة الجنوب حضرموت هي المكون الأكبر مساحة وسكان بين المكونات الوطنية لشعب الجنوب وهو السبب الرئيس الذي يجعل الأخذ بمسمى حضرموت اسماً لهوية الشعب والدولة، وهناك أيضاً أسباب أخرى داعمة للأخذ بهذه التسمية نوجزها بالآتي:

1 - حضرموت إحدى الممالك الكبرى لحضارات جنوب الجزيرة العربية احتفظت بتسميتها حتى اليوم والأخذ بهذه التسمية اسم لهوية الشعب والدولة تكسبها عمقا تاريخيا تمتد جذوره إلى أعماق التاريخ.

2 - حضرموت في الكثير من مراحل التاريخ امتد حكمها ليشمل الجغرافية الجنوبية كلها.

3 - معظم سكان محافظات الجنوب الأخرى يدخلون في التركيبة السكانية لحضرموت، وكذلك يدخلون أبناء حضرموت في التركيبة السكانية لكل محافظات الجنوب الأخرى ويشكلون نسبة مهمة في تركيبة سكان العاصمة عدن، مما يجعل وحدة النسيج الاجتماعي لشعب الجنوب حاضرة بقوة وصفة مميزة لدولة الجنوب الجديدة، واختيار حضرموت مسمى لهوية دولة الجنوب الجديد وجعل عدن عاصمة لها يقوي الوحدة الجنوبية ويعزز الترابط الجغرافي والاجتماعي والسياسي بين جميع المكونات الوطنية لشعب الجنوب.

4 - القوة الاقتصادية لحضرموت يجعل دولة الجنوب الجديد قوية اقتصادياً ويعطي الموقع الاستراتيجي لمدينة عدن وخصائص مينائها الفريد أهمية جيواستراتيجية للدولة الجديدة.

5 - تسمية حضرموت تطلق على كل المغتربين الجنوبيين في المهجر تمييزاً لهم عن اليمنيين.

6 - تخليص الجنوب من التسميات الجهوية سواء كانت اليمن أو الجنوب العربي التي تشترك معه في هذا الاسم هويات وطنية لشعوب أخرى.

ثالثاً: التعامل مع مبدأ حق تقرير المصير

يرتبط مبدأ حق تقرير المصير بثوابت الحق الوطني لأي شعب من شعوب العالم وهي ثلاثة :

1 - الهوية الوطنية المستقلة للشعب.

2 - المنطقة السيادية التي هي حق سيادة للشعب بحدود دولية معترف بها.

3 - حق تقرير المصير.

وهي مجموع المبادئ التي تشكل روح القانون الدولي وتقوم عليها مؤسسات الشرعية الدولية ونظام العلاقات الدولية.

ترتيبها يقوم على أسس منطقية فكل مبدأ يشترط ما بعده، فبدون الهوية الوطنية المستقلة محال الحديث عن المنطقة السيادية وبدونهما يستحيل الحديث عن تقرير المصير، وفقاً لهذا المنطق صدرت قرارات الشرعية الدولية في ستينيات القرن الماضي التي أصبح بموجبها شعب الجنوب كيانا اجتماعيا وسياسيا شرعيا، وأصبح جزءًا لا يتجزأ في البنية الشعوبية للإنسانية، حيث كان أول قرار الاعتراف بشعب الجنوب بهويته الوطنية المستقلة، وتلاه القرار الثاني تحديد المنطقة السيادية لشعب الجنوب والاعتراف بحدودها الدولية بوصفها حق سيادة لهذا الشعب.

وبناء على الاعتراف بحق الهوية الوطنية المستقلة لشعب الجنوب وبحقه في السيادة على أراضيه بحدودها الدولية المعترف بها صدر القرار الثالث الخاص بالاعتراف الدولي بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره، وبموجب القرارات الثلاثة أعلن شعب الجنوب دولته الوطنية المستقلة فصدر عن الأمم المتحدة القرار الرابع الذي بموجبه اعترفت الأمم المتحدة بالدولة الجديدة وقبولها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وفي بقية مؤسسات الشرعية الدولية.

كل ذلك يعني أن الهوية الوطنية المستقلة للشعب وسيادته الفعلية على أرضه لهما أسبقية على حق تقرير المصير، بل إن الاعتراف الدولي بهما وتحقيقهما بالفعل على أرض الواقع شرط حاسم يمهد لممارسة الشعب لحقه في تقرير مصيره، وبدونهما يصبح الحديث عن حق تقرير المصير حديثًا غير واقعي.

لحق تقرير المصير شقان: شق داخلي وشق خارجي. الشق الداخلي يرتبط باستفتاء الشعب على شكل دولته بسيطة مركبة، ملكية، جمهورية وبشكل نظامها السياسي برلماني، رئاسي كل ذلك ينبغي أن يشكل المضمون العام لدستور الدولة الذي يقره الشعب باستفتاء عام يشارك فيه كل أبناء الشعب بمن بلغ منهم سن التصويت من أبناء دولة الجنوب قبل مايو 1990م.

أما الشق الخارجي يرتبط بعلاقة الدولة الوطنية مع الدول الأخرى وطبيعة تلك العلاقة عادية، تحالفية وإقامة الاتحاد مع دولة أو عدد من الدول فذلك تحدده عوامل كثيرة منها الحاجة لهذا الشكل أو ذاك للعلاقة مع هذه الدولة أو تلك، ويندرج ذلك ضمن القرارات المصيرية ومرجعية الشعب هي صاحبة القول الفصل في ذلك.

رابعاً: ما زال أمام شعب الجنوب وقياداته الوطنية المتمثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي مهمات عظيمة يستوجب إنجازها وإعطائها أولوية قصوى على ما عداها، فبإنجازها يدخل شعب الجنوب مرحلة التسارع في انجاز مشروعه الوطني وينتقل من مربع استعادة الدولة وتحرير أرضها الى مربع بناء الدولة وادارتها، ويمكن إبراز مهمات هذه المرحلة بالآتي:

1 - استكمال تحرير المناطق الجنوبية المتبقية تحت سيطرة قوات الاحتلال وتحديداً مكيراس بأبين، والعقلة بشبوة، والعبر ومنفذ الوديعة والوادي بحضرموت وبقية القوات الشمالية في المهرة.

2 - المجلس الانتقالي الجنوبي هو الكيان السياسي الوطني الجنوبي المعترف به ممثلا لشعب الجنوب وهو المعني بإملاء فراغ السلطة في الجنوب في المستوى الوطني وفي المحافظات ومديرياتها.

3 - ولمنع العودة إلى مربع الصراعات الحزبية تبرز الحاجة إلى أن يتم تعليق نشاط الأحزاب السياسية لفترة انتقالية يتم الاتفاق عليها وعدم السماح لأي حزب فرض سلطته في أي جزء من أجزاء الجنوب.

5 - استكمال التحرر الاقتصادي والمالي من خلال بسط السيطرة على الموارد الاقتصادية والمالية وارتباطا بذلك إعطاء أولوية مطلقة لحل مشكلات الخدمات والمعيشة لما لها من تأثير مباشر على وحدة الجبهة الداخلية واستقرار الأوضاع على مستوى الجنوب كله.

6 - تطوير استراتيجية متكاملة لبناء الدولة ومؤسساتها وإصدار التشريعات الدستورية والقانونية للمرحلة الانتقالية.

7 - امتلاك استراتيجية لتفعيل العمل الدبلوماسي الخارجي بهدف الوصول إلى استعادة الوضع الحقوقي والقانوني لدولة الجنوب في مؤسسات الشرعية الدولية.

أستاذ الفلسفة السياسية المساعد كلية الآداب- جامعة عدن*

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى