الإهمال وظروف الحرب ووصمة المرض..نساء تعز يبتلعن الأمراض النفسية ويلفظنها عقد اجتماعية

> تعز«الأيام» معاذ العبيدي:

> اندلاع الحرب التي تجاوزت 7 سنوات، سرع من تدهور الصحة النفسية في اليمن عامة، ومدينة تعز بشكل خاص، حيث بلغ عدد المترددين على مستشفى الأمراض النفسية وأربعة عيادات متخصصة في الطب النفسي بمحافظة تعز 15 ألف شخص خلال الفترة ما بين 2017 وحتى منتصف العام 2020.

ويرجح خبراء نفسيون في المدينة أن أغلب هذه الحالات كانت ضحيتها المرأة بشكل أساسي، وأن الأسباب التي أدت لتفاقم هذه الحالات كان أبرزها الحرب والإهمال المجتمعي والحكومي ووصمة المرض.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها"الأيام"، فإن مركز الرعاية النفسية في تعز الذي يعتبر خاصًا بالنساء بشكل أساسي وببعض الحالات من الفئات الأخرى، استقبل خلال العام 2021 أكثر من 600 امرأة، توافدن عليه بشكل دوري لأخذ العلاج وجلسات الدعم النفسي والتشخيص والمعاينة والخدمات المخبرية.

ويوفر المركز خدمة الرقود للنساء بإشراف كوادر نسائية، مع تقديم الطعان والدواء والرعاية طوال فترة الرقود بشكل مجاني.

وأمام الإقبال المستمر من قبل النساء على تلقي الرعاية في المركز ومعاناته من نقص في الكوادر والعلاجات، يظل قسم العلاج النفسي الخاص بالنساء في مستشفى الأمراض النفسية والعصيبة الحكومي مغلقًا منذ بدأت الحرب.

وحول أسباب إغلاق قسم النساء قال رئيس هيئة التمريض في المستشفى محمد طه سعيد، أن القسم كان يقوم بعمله بشكل منتظم قبل الحرب، وأن الحرب أصابت مباني المستشفى بأضرار كبيرة، وبعد تأمين المنطقة تم ترميم جزء من المستشفى. وأردف: "لسوء الحظ أن الجزء الآخر من المستشفى الذي يحوي قسم النساء لم يرمم".

وبحسب سعيد، لم يكن عدم توافر الدعم لإعادة ترميم باقي أجزاء المستشفى السبب الرئيس لاستمرار إغلاق قسم النساء، إذ أن انعدام الأمن يعيق الكوادر الصحية من تقديم خدماتها على مدار الساعة، "من المستحيل ترك الكادر النسائي والمريضات في المستشفى ليلًا" أوضح سعيد.


وبالنسبة لجهود الدولة في ترميم المستشفى قال إنه لم يكن هنالك أية جهود مبذولة، وأن الدولة عاجزة عن تغطية نفقات التغذية للمرضى المتواجدين والتي تبلغ ميزانيتها 2 مليون ونصف المليون ريال لـ 150 مريضا في ظل ارتفاع الأسعار خلال الفترة الأخيرة، حد قوله.

مركز الرعاية النفسية أيضًا ينقصه الكثير من الاحتياجات من أجل تقديم خدمة أفضل، فوافق رواية مديره الدكتور إبراهيم قائد، يحتاج أهمها الكوادر المختصة وأيضا الدعم بالعلاج كون المترددين كثر ولا يمكن للمركز أن يستوعبهم بشكل كامل.

ويظن البعض أن المرأة لا تتأثر بالحرب أو أنها أقل تأثرًا من الرجل كونها لا تحمل بندقية ولا تشارك في الحروب، وقد يبدو هذا المنطق سليما بالنسبة إلينا، لكنه ليس كذلك إذا ما جئنا لنبحث في الأسباب التي تؤثر على المرأة في المجتمع التعزي نفسيا وتجعلها ضحية للمرض النفسي.

وأفاد اختصاصيون في الأمراض النفسية لـ"الأيام" أن المرأة في تعز وجدت نفسها مع الفقد للمعيلين بسبب الحرب ومع النزوح المعيل الوحيد للأسرة، تعمل اضطرارا في الكثير من الأعمال لتوفر لقمة العيش لها ولأسرتها، وأنها أجبرت على النزوح الأمر الذي جعلها تشعر بالكثير من الحزن والقهر، ثم التفكير اللا اعتيادي فيما آلت إليه حالتها خصوصا مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمتطلبات الحياتية.

وقال مدير مركز الرعاية النفسية، إن الحرب ليست السبب الرئيس للأمراض النفسية داخل مدينة تعز، وأنها تعتبر من أبرز الأسباب الرئيسة للمرض النفسي إضافة للصدمة النفسية والعاطفية وحالات الفقد والوراثة ولكنها، أي الحرب، تؤدي لتفاقم هذه الأسباب.

ويرى وديع المخلافي، مقدم الدعم النفسي في مركز خدمة الشباب بتعز، أن الحرب والعنف فاقما ظاهرة "الفروق الاجتماعية" بين الذكور والإناث بحيث جعلت الذكور يملكون امتيازات القوة واتخاذ القرار بينما عملت على تناقص هذه الامتيازات بالنسبة للمرأة، حيث جعلتها أقل قدرة إن لم تكن بدونها على اتخاذ القرار.

وقال المخلافي إن ثقافة المجتمع والأعراف الاجتماعية السائدة تجاه المرأة لعبت دورًا كبيرًا في تقليص الفرص المتاحة أمامها في الحصول على العمل الذي يساعدها في تلبية احتياجاتها واحتياجات أسرتها، وبذلك تزداد معاناتها.

ويبين الاختصاصيون لـ"الأيام" أن الحروب ومظاهر العنف أدت إلى تدهور الأوضاع الأمنية وتدني مستوى خدماتها، حيث أدى تدهورها إلى تعرض المرأة للتحرش والمضايقات الأمور التي جعلت المرأة تحد من ممارسة أنشطتها خارج المنزل كالدراسة والعمل حتى اضطرت للجلوس بكثرة في البيت، وهذا الأمر أدى أيضا لإصابتها بالاضطرابات النفسية كنتيجة لذلك.

المعوقات ووصمة المرض

وهنالك الكثير من المعوقات التي تحول دون وصول المرأة لمراكز الرعاية والدعم النفسي في محافظة تعز حسب أقوال الخبراء النفسيين والتي أهمها المعوقات المادية المتمثلة ببعد المسافة وعدم القدرة على دفع تكاليف السفر. مضيفين، أن هنالك المعوقات الثقافية والمجتمعية مثل العادات والتقاليد حيث إنه توجد بعض النظرات التي تنظر للمرأة على أنها غير مؤهلة للعلاج النفسي من باب العيب والتي إن تواجدت داخل المنزل منعت عن المرأة العلاج، والأكثر خطرًا أن الأهل يبقون المريض حتى تظهر عليه الأعراض بشكل رسمي ثم يعرضونه بعد ذلك على الطبيب.

ويقول قائد، إن هنالك في مدينة تعز لدى المرضى النفسيين بشكل عام والنساء بشكل خاص ما يسمى بوصمة المرض "عيب إنك تكون مريض نفسي" والتي تجعل المريض يحاول إخفاء ذلك وخصوصا النساء كونهن يخفن على فرصهن في الحياة مع الناس والزواج، وهذا ناتج عن ثقافة المجتمع التي تعتبر المرض النفسي جنونا غير قابل للعلاج.

في حين يرى آخرون أن نقص الوعي داخل المجتمع يحتم على المرأة التعزية والمرضى النفسيين زيارة المعالجين بالشعوذة قبل الأطباء، وخصوصا أولئك الذين يعالجون بالضرب، الأمر الذي يفاقم من حالة المريضة ويجعلها أكثر تعقيدا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى