وقـفـات تـأملية

>
القَلبُ

قلب الجَسدِ من أعجب ما خلق الله، إنَّه مضخةٌ مزدوجةٌ، تضخ الدمَ الذي يَحملُ الغذاء والوقود إلى كل خلية ونسيج وعضو وجهاز عن طريق شبكة من الأوعية يزيدُ طولُها عن مائة وخمسين كيلو متر، إنَّه يعملُ منذ الشهر الثاني من حياة الجنين، وحتى يحين الحَينُ، لا يغفل ولا يسهو، ولا يقعد ولا يكبو، ولا يمل ولا يشكو، يَعملُ من دون راحةٍ ولا مراجعة ولا صيانةٍ ولا توجيه..

الإنسان بجبروته يؤذيه، وبنار الحقدِ يكويه، وبالأحزان يبليه، وهو أساس حياة الإنسان، وشمسُ عالمه، عليه يعتمدُ في كل أعمالِه وأحوالِه، ومنه تنبع كل قواه وحركاته وهو آلة خارقة، لا يعرف التعبُ إليه سبيلًا، تزاد قدرتُه أضعافًا كثيرةً لتواجه الجهدَ الطارئ، إنها عضلة من أعقد العضلات، بناءً وعملًا وأداءً، ومن أمتنها و أقواها، تنقبض وتنبسط ثمانين مرة في الدقيقة، ويصل الجهدُ في النبض الطارئ إلى مائة وثمانين، ويضخ القلبُ من الدمَ في طول عمر الإنسان ما يكفي لِملء مستودع بحجم إحدى أكبر ناطحات سحاب في العالم.

وينفرد القلب في استقلاله عن الجهاز العصبي، فتأتمر ضرباتُه وتنتظمُ بإشارة كهربائية من مركز توليد ذاتي هي أساس تخطيطه، وتتغذى عضلة القلب بطريقة فريدة!.

ومن أعجب ما فيه دسَّاماته المحكمة التي تسمح للدم المرور في اتجاه واحد، وهو مبدأٌ ثابتٌ في المضخات، حتى إذا سكن القلب في قفصه، واستراح من غُصَصِه، خلَّف وراءَه جثًّة هامدةً، كأنها أعجازُ نخلٍ خاوية، فلقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ".

ورحم الله الشاعرَ إذ يقول:

دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني

فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى